أركان جريمة غسيل الأموال.

أركان جريمة غسيل الأموال.

    إن جريمة غسيل الأموال وكأي جريمة أخرى، يلزم لتحققها وقيامها قانوناً توافر أركان معينة، حيث أن هذه الجريمة لا تقوم دون توافر كل هذه الأركان مجتمعة ومكتملة، فجريمة غسيل الأموال تستلزم توافر ثلاثة أركان لقيامها وهي: الركن المادي، والركن المعنوي، والركن الشرعي[1].

 الفرع الأول: الركن المادي

    لا يوجد جريمة بدون ركن مادي، فهو يعد شرطاً لازماً في جميع صور الجريمة، ويتمثل هذا الركن في جريمة غسيل الأموال في كل فعل يساهم في إضفاء أو تمويه الأموال المتحصلة بصورة مباشرة وغير مباشرة عن جميع الجرائم، وتتمثل دراسة عناصر الركن المادي على الشكل التالي[2]:

  أولاً: فعل الإخفاء

    يقصد بفعل الإخفاء: كل تصرف من شأنه منع كشف الحقيقة للمصدر غير المشروع، سواءً كان هذا الإخفاء مستوراً أم علنياً، فلا عبرة لكون الإخفاء قد جرى سراً، كما لا يهم سبب الإخفاء حتى ولو كان بطريقة مشروعة كشراء الأشياء الناتجة عن السرقة أو اكتساب الأموال على أساس الهبة أو الوديعة… الخ.     حصرت المادة 2 من قانون مكافحة غسيل الأموال المصري رقم 80 لسنة 2002 الركن المادي بأن يكون فعل الإخفاء أو التمويه ضمن الأموال المتحصلة عن نشاطات إجرامية، وقد جاء موقف المشرع الفلسطيني متطابقاً تماماً مع المشرع المصري في هذه المسألة[3].

 ثانياً: فعل التمويه:

     يقصد بفعل التمويه: اصطناع مصدر مشروع وحقيقي للأموال المتحصلة من نشاطات غير مشروعة، ويكون ذلك من خلال إدخال أرباح هذه الأموال ضمن الأرباح الناتجة عن أعمال ونشاطات قانونية، فيؤدي ذلك إلى ظهور هذه الأموال على أنها أموال مشروعة وغير مخالفة للقانون، وعليه فإن الهدف من فعل التمويه يتمثل في أي عمل سواء كان مادياً أو قانونياً يهدف إلى إعطاء الأموال غير المشروعة مظهر قانوني مزيف لمصدر هذه الأموال وإضفاء الشرعية عليها.

ثالثاً: النتيجة الجرمية

     تتمثل غايات السلوك الإجرامي في جريمة غسيل الأموال في إخفاء وتمويه مصدر المال غير المشروع، فالنتيجة الجرمية تتحقق عند إخفاء المال غير المشروع المتحصل من إحدى الجرائم المبينة على سبيل الحصر، أو يهدف إلى تغيير شكل الأموال وقطع صلتها بمصدرها الأصلي أو إضفاء المشروعية عليها وتحويلها إلى أموال نظيفة يمكن استغلالها في أنشطة مشروعة، وبالتالي فإن تحقق النتيجة الجرمية يستلزم تحويل هذه الأموال إلى أموال مشروعة، إضافة إلى قطع صلتها بمصدرها الأصلي غير المشروع[4].

رابعاً: علاقة السببية

     علاقة السببية هي الرابطة التي تصل بين النشاط والنتيجة الجرمية، بمعنى أن هذه العلاقة عبارة عن رابطة تصل بين طرفين، تفترض وجود فعل غير مشروع وتحقق نتيجة مادية صالحة للارتباط به من جهة أخرى، وفي مجال غسيل الأموال فإن علاقة السببية تتوافر بارتباط السلوك الإجرامي الذي انصب على مال غير مشروع للجاني، بالنتيجة الجرمية والتي أدت إلى إخفاء المال غير المشروع أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشافه من خلال إضفاء الشرعية على هذه الأموال غير المشروعة[5].

الفرع الثاني: الركن المعنوي

    جريمة غسيل الأموال من الجرائم العمدية التي يلزم لقيامها توافر الركن المعنوي للجرائم العمدية وهو القصد الجنائي، ويتكون القصد الجنائي من عنصرين هما: عنصر العلم، وعنصر الإرادة.

  أولاً: عنصر العلم.

     يجب أن يعلم الجاني في جريمة غسيل الأموال بأن المال غير المشروع محل الغسيل متحصل من نشاط إجرامي، فإذا كان الجاني يجهل أن المال غير المشروع قانونياً عن حسن نية أنه نظيف، فلا يقوم القصد الجنائي لتخلف أحد شروطه وهو عنصر العلم، كما يتوجب أن يعلم الجاني في جريمة غسيل الأموال أن العمليات التي يقوم بها من شأنها تنظيف المال القذر غير المشروع وإدخاله إلى حيز الوجود المالي بصورة يبدو فيها المال مشروعاً، فإذا انتفى علم الجاني بذلك وكان حسن النية فلا يتوافر القصد الجنائي لديه[6].

ثانيا: عنصر الإرادة

     إضافة إلى عنصر العلم يتطلب القصد الجنائي توافر عنصر الإرادة والمتمثل بإرادة الفعل وإرادة النتيجة الجرمية، فيجب أن يريد الجاني في جريمة غسيل الأموال كافة عناصر الركن المادي، إضافة إلى إرادته لتحقيق النتيجة الجرمية والمتمثلة في تنظيف المال غير المشروع، وإظهاره على أنه مال مشروع متحصل من نشاط مشروع[7].

الفرع الثالث: الركن الشرعي.

     من القواعد الثابتة والمعروفة في القانون الجزائي مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، أي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ويترتب على هذا المبدأ أن القاضي لا يستطيع أن يعاقب على فعل لم يجرمه القانون، ولا يستطيع أن يوقع عقوبة غير منصوص عليها أو تختلف نوعها أو مقدارها عن العقوبة التي وضعها المشرع، وعلى الرغم من هذا المبدأ إلا أنه يتصف بالجمود وعدم القدرة على المواجهة الجرائم المستحدثة كجريمة غسيل الأموال[8]، وقد تناول المشرع المصري عنصر الركن الشرعي في المادة الثانية من قانون مكافحة غسيل الأموال وحدد الجرائم التي يحظر غسل الأموال المتحصلة عنها، وقد جاء موقف المشرع الفلسطيني مشابهاً للمشرع المصري وحدد هذه الجرائم[9]،إضافة إلى توافر نص المادة 147 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة1960 [10].


[1] محمد عبد الله سلامة، الكيان القانوني لغسيل الأموال: الجريمة- المسؤولية الجنائية- المكافحة، الطبعة الأولى ، المكتب العربي الحديث، الإسكندرية، 2007، ص57.[2] هيام الجرد، المرجع السابق، ص93.[3] تنص المادة 2 من  قرار بقانون  مكافحة غسيل الأموال الفلسطيني لسنة 2007 على:1- يعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل من أتى أياً من الأفعال التالية:أ- استبدال أو تحويل الأموال من قبل أي شخص. وهو يعلم بأن هذه الأموال تشكل متحصلات جريمة لغرض إخفاء أو تمويه الأصل غير المشروع لهذه الأموال، أو لمساعدة شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية على الإفلات من التبعات القانونية المترتبة على أفعاله.ب- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية أو المصدر أو الموقع أو التصرف أو الحركة أو الملكية أو الحقوق المتعلقة بالأموال من قبل أي شخص يعلم أن هذه الأموال تشكل متحصلات جريمة.ت- تملك الأموال أو حيازتها أو استخدامها من قبل أي شخص وهو يعلم في وقت الاستلام أن هذه الأموال هي متحصلات جريمة.ث- الاشتراك أو المساعدة أو التحريض أو التآمر أو تقديم المشورة أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو الشروع في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة.2- يستخلص العلم أو النية أو الهدف باعتبارهم عناصر أساسية لازمة للجريمة من الظروف الواقعية والموضوعية، من أجل إثبات المصدر المستتر للمتحصلات، والذي لا يشترط الحصول على إدانة الجريمة الأصلية.3- تعد جريمة غسل الأموال المتحصلة من أي من الجرائم المتحصلة سواءً وقعت هذه الجرائم داخل أراضي السلطة الوطنية أو خارجها، شريطة أن يكون الفعل مجرماً بموجب القانون الساري في البلد الذي وقعت فيه الجريمة، كما وتسري جريمة غسل الأموال على الأشخاص الذين اقترفوا أياً من تلك الجرائم.[4] د. خالد حامد مصطفى، المرجع السابق، ص29.[5] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص112[6] محمد عبد الله سلامة، المرجع السابق ص 91.[7] محمد عبد الله سلامة، المرجع السابق ص 92.[8] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص93.[9] انظر المادة 3 من قرار بقانون مكافحة غسيل الأموال الفلسطيني والتي تنص:يعد مالاً غير مشروع ومحلاً لجريمة غسل الأموال كل مال متحصل من أيٍ من الجرائم المبينة أدناه:1-       المشاركة في جماعة إجرامية وجماعة نصب منظمة.2-        الاتجار في البشر.3-       الاستغلال الجنسي للأطفال والنساء.4-       الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية.5-       الاتجار غير المشروع في الأسلحة.6-       الاتجار غير المشروع في البضائع المسروقة وغيرها.7-       الرشوة والاختلاس.8-       الاحتيال.9-       تزوير العملة والوثائق الرسمية.10-   التزوير، والاعتداء على الملكية الفكرية.11-   الجرائم التي تقع مخالفة لقانون البيئة.12-   القتل أو الإيذاء البليغ.13-   الخطف أو الاحتجاز أو أخذ الرهائن.14-   السطو والسرقة.15-   التهريب.16-   الابتزاز أو التهديد أو التهويل.17-   التزوير.18-   القرصنة بشتى أنواعها.19-   التلاعب في أسواق المال.20-   الكسب غير المشروع.[10] انظر المادة 147 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 والتي تنص:1- يقصد بالإرهاب: استخدام العنف أو التهديد باستخدامه أياً كانت بواعثه وأغراضه، يقع تنفيذاً لعمل فردي أو جماعي…2- يعد من جرائم الإرهاب أي فعل يتعلق بأي عملية مصرفية وبصورة خاصة إيداع أموال في أي بنك في المملكة أو أي مؤسسة مالية تمارس أعمال البنوك أو تحويل هذه الأموال من قبلها إلى أي جهة كانت إذا تبين أنها أموال مشبوهة ولها علاقة بنشاط إرهابي وفي هذ8ه الحالة تطبق الإجراءات التالية:أ- الحجز التحفظي على الأموال بقرار من النائب العام وحظر التصرف بها إلى حين استكمال إجراءات التحقيق  بشأنها.ب- قيام النائب العام بالتنسيق والتعاون مع البنك المركزي وأي جهة ذات علاقة محلية كانت أو دولية، للتحقيق في القضية وإذا ثبت له أن لتلك العملية المصرفية علاقة بنشاط إرهابي فيتم إحالة القضية إلى المحكمة المختصة.ج- يعاقب كل من يرتكب هذه الجريمة بالأشغال الشاقة المؤقتة ويعاقب الإداري المسؤول في البنك أو المؤسسة المالية الذي أجرى العملية وهو عالم بذلك بالحبس، وتتم مصادرة الأموال التي تم التحفظ عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock