نشأة العلاقات العامة وتطورها
إن الحاجة الملحة إلى التجديد والتغير في الحياة الإنسانية ، وظهور الثورة العلمية التي عجلت من انفصال العلوم
عن بعضها البعض وبروز العديد من العلوم الحديثة .
والعلاقات العامة من أحدث العلوم انفصلت عن العلوم الاجتماعية ، بالرغم من حداثتها كعلم فإننا نجد لها جذور تعود إلى البدايات الأولى للإنسان .
” وترجع أولى هذه العلاقات إلى تلك التي كونها الإنسان مع أسرته التي ولد فيها ، ثم اتسعت هذه الوحدة الاجتماعية حتى صارت عشيرة تتكون من عدة أسر ، ثم تكونت القبيلة من جمع العشائر
وكلما اتسع نطاق الوحدة الاجتماعية التي يرتبط بها الإنسان كلما اتسعت دائرة علاقاته وتشعبت هذه العلاقات وأصبحت تتجه من البساطة إلى التعقيد”
” كما كان رؤساء القبائل يحرصون في مختلف المناسبات على نشر الأخبار والتوجيهات ، والمبادئ
ثم اتخذت العلاقات العامة شكلا تخصصيا بعد ذلك ، عندما استعان رؤساء القبائل بالسحرة والأطباء ومن يجيدون فنون التعبير البدائية من إنشاد وقرع للطبول وغير ذلك ”
العلاقات العامة عند قدماء المصريين :
حرص ملوك مصر الفرعونية وكهنتها على الإتصال بالأهالي ، حيث كان الكهنة ينقلون الأحكام الإلهية للناس كما ينقلون للملك المظالم التي يمكن أن يتعرض لها الشعب.
كما اهتموا بتسجيل مختلف الأحداث الهامة في مجتمعهم من انتصارات حربية و بعثات تجارية ومشروعات كبرى كحفر الترع وإقامة الجسور …..
كل هذا كان بهدف الإعلام بها وكسب تأييد الجماهير وإقناعهم بأن الحاكم يعمل من
أجل رفاهيتهم ، كما استخدموا واجهات المعابر وجوانبها لنقش التعاليم الدينية وصورا
عليها الأحداث البارزة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية ، كما حدث عندما اعتلى الملك ” مينا ” العرش
ثم توحيد الوجهين القبلي والبحري
حيث أعلنت هذه المناسبة في لوحة تذكارية تبين ذلك واستخدموا في ذلك الرموز
التي تشير إلى توحيد الوجهين بأن وضعوا نبات البردى المجلوب مع زهر الزنبق من الشمال تحت العرش “.
العلاقات العامة عند بابل وآشور:
كان لملوك بابل صحف تسجل فيها الحوادث اليومية كما توجه عن طريقها التعليمات
ويحدثنا التاريخ بأن الملك ” حمو رابي ” كان يدعوا عماله وموظفيه فيالأقاليم للحضور إلى بابل في الأعياد
والمناسبات وخاصة عيد جز القمح ، وفي هذا الوقت يستطيع أن يذيع أوامره وتعليماته في حضور هذا العدد الكبير من المسؤولين
وبذلك يضمن وصول تعليماته إلى كافة أنحاء المملكة .
كما كان الأشوريون يستخدمون اللوحات الطينية التي تتضمن النشرات المصورة والتي تروي حوادث انتصاراتهم
وما فعلته جيوشهم من التنكيل بالأعداء ويعرضونها في قاعاتهم وشوارعهم الكبرى .
العلاقات العامة عند اليونان والرومان
اهتم الرومان واليونان بالاتصال بأفراد الشعب وتوسعوا في أنشطة العلاقات العامة لأن حضارتهما كانتا تعتمدان على ثقة أفراد الشعب وتأييده
لما عرفوه عن إرادة الشعوب الحرة ، ونمت العلاقات العامة واهتمت بالاتجاهات السائدة وميول الناس في المدن اليونانية خاصة بعد ظهور بعض المبادئ الديمقراطية .
واستخدموا العديد من الوسائل منها القصائد الشعرية كأشعار هوميروس والنشرات اليومية عن أعمال مجلس الأشراف
وبهذا كان الاتصال يسير في اتجاهين من الحكام إلى الشعب ومن الشعب إلى الحكام
العلاقات العامة في الحضارة الإسلامية
لقد طورت الحضارة الإسلامية مفهوم العلاقات العامة والأساليب والوسائل التي تستخدم فيها ، بل أنها قدمت الأساس الذي يمكن أن تستند عليه العلاقات العامة
حيث أن الإسلام عني بالإنسان وكرامته وأفكاره ورغباته ، لذلك نجد أن الدعوة الإسلامية لم تأخذ نهج الفرض بل إنها اعتمدت على البرهان والإقناع والحجة في نشرها .
كما استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم أساليب بنوعيها الشخصي وغير الشخصي
حيث كان يوفد الرسل ويبعث بالكتب إلى الملوك والأمراء ويدعوهم إلى الإسلام .
فالإقناع إذن ووضوح الهدف ودراسة المجتمع واتجاهات أفراده والتي تعد من أحدث عمليات العلاقات العامة
التي وصل إليها خبراء العلاقات العامة في القرن العشرين ، قد مارسها المسلمون منذ أربعة عشر قرنا مضت .
العلاقات العامة في العصور الوسطى
” ويطلق على هذه العصور بالعصور المظلمة وهي أسوء العصور التي مرت بها البشرية
حيث تردت المجتمعات في ظلمات التعصب والجهالة نتيجة الجهل والفساد ، والتعصب الديني
كما اتصفت هذه العصور بالانحلال الاقتصادي والاجتماعي وانتشار النفوذ الإقطاعي .
لكن الثورة البروتستانتية التي قام بها ” مارتن لوتر ” وتحديه لسلطان الكنيسة ، جعل هذا الأخير يعيد النظر ويفكر في ضرورة توفير الرعاية المختلفة من أجل الدين
حيث عملت الكنيسة على تخريج متخصصين في الدعوة الدينية والتبشير ، عن طريق إنشاء معهد خاص بذلك .
ومن هنا اتجه الإهتمام نحو العلاقات العامة واستخدمت في المجالات الدينية بجانب المجالات الاقتصادية والسياسية ، عن طريق الكتاب والمؤلفين وغيرهم الذين
ساهموا في النشر والإعلام لكسب ثقة الجماهير وتأييدهم وتعاونهم ، ثم حذت الكنيسة الكاثوليكية حذوها أيضا لكسب تأييد الجماهير التي تأخذ بالمذهب الكاثوليكي
العلاقات العامة في العصور الحديثة
” إن اصطلاح العلاقات العامة بمعناها الحديث ، قد استخدم لأول مرة في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر
وقد كان ” دومان ايتون ” من مدرسة بيل للقانون أول من استخدم الاصطلاح في خطاب ألقاه 1882 بعنوان ” العلاقات العامة وواجبات المهنة القانونية ”
ثم ظهر الاصطلاح سنة 1906 م وكذلك سنة 1913م في الأحاديث التي ألقاها مديرو شركات السكك الحديدية في ” بلتيمور “و” أومايو ” حول السكك الحديدية ومشكلات العلاقات العامة التي تتصل بها
وقد أصبح الاصطلاح شائعا ومألوفا في العشرينيات عندما ابتدع ” بيرنيز ” عبارة ” مستشار العلاقات العامة ”
رغم ما قوبل به من سخرية على أنه اصطلاح مرادف لعبارة السكرتير الصحي وإن كان ينطوي على تفخيم سخيف ”
” ولم تظهر العلاقات العامة بشكل أكثر وضوحا حتى الثورة الأمريكية ، إذ كان الوطنيون الأمريكان
واعين بالدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الرأي العام في الحرب مع الإنجليز
وبناءا عليه فإنهم خططوا نشاطاتهم ، وعلى سبيل المثال فإنهم خططوا لإحداث حفلة شاي ببوسطن
لجذب انتباه الجمهور ، واستخدموا مجموعة من الرموز كشجرة الحرية التي يمكن ملاحظتها بسهولة وتساعدهم في تصوير قضيتهم بشكل إيجابي ”
المرحلة الأولى لـ نشأة العلاقات العامة:
” وفي عهد رئاسة أندرو جاكسون والذي لم يكن رجل اتصال ناجح انطلقت العلاقات العامة السياسية
إذ اعتمد على صحفي سابق وهو أموس كيندول ليكون السكرتير الصحفي ويتولى شؤون العلاقات العامة ويساعده في قضيته .
أما التكتيكات الأولى للعلاقات العامة الحديثة فترجع إلى العقد الأول من القرن العشرين ، حيث يعتبر إيفلي هو رائد العلاقات العامة إذ قام عام 1903 م
بافتتاح مكتب للاستثمار مع ” جورج باركر ” وبعد سنوات قليلة أصبح ” لي ” ممثلا لشركة الفحم ولسكة حديد بنسلفانيا ”
” وأكد أن مشكلة رجال الأعمال لا يمكن أن تحل باستخدام الدعاية الكاذبة ، بل أكد أن عصور الجماهير واستغلالها قد ولت ولا يمكن أن تعود
وأن النزعة الإنسانية و المسؤولية الاجتماعية والمعاملة الطيبة هي التي تحل فهم مشاكلهم
ونادى بضرورة معاملة المستخدمين والعامل معاملة إنسانية ومنحهم الأجور المجزية
وكذلك ينبغي أن تعمل على رعاية مصالح الجماهير الخارجية .
وبهذا يكون ” إيفي لي ” قد نجح في تحديد معالم العلاقات العامة ويرجع إليه الفضل الأول في إرساء قواعدها على أسس علمية وخلقية سليمة ، حيث يحددها نشاط مزدوج الاتجاه
بمعنى أنها تتضمن أيضا إعلام الجماهير بحقيقة المؤسسة إعلاما صريحا لا موارية فيه ولا سرية ولا كتمان
كما أوضح ” إيفي لي ” أيضا أن الإعلام والنشر ليسا هما العلاقات العامة ، ولكنهما أداة واحدة من أدواتها
وكان لتقديمه ، كل هذه الأفكار لقبوه برائد العلاقات العامة
المرحلة الثانية لـ نشأة العلاقات العامة :
” بعد الحرب العالمية الأولى ظهر رائدان في مجال العلاقات العامة وهما كارل بايوير وإدوارد بيرناس
الذي أصدر أول كتاب في العلاقات العامة بعنوان ” بلورة الرأي العام ” والذي نشر عام 1923 م
وأما بايوير فقد أنشأ مؤسسة للعلاقات العامة والتي مازالت أكبر مؤسسة للعلاقات العامة في العالم
” ومنذ الحرب العالمية الثانية فقد اكتسبت العلاقات العامة أهمية متزايدة لدى النشاط التجاري ، ذلك أن معظم المؤسسات الكبيرة قد أنشأت أقساما بها للعلاقات الهامة
أما المؤسسات الصغيرة فهي تفيد من الأخصائيين في العلاقات العامة أيضا.
كما أن المؤسسات التعليمية والجماعات المهنية في الطب والقانون وغيرها و الأحزاب السياسية والهيئات الحكومية تبدي اهتماما بالعلاقات العامة في الوقت الحاضر
وتكونت الجمعيات الوطنية والإقليمية والمحلية للعاملين في مجال العلاقات العامة ، وأضيفت المناهج الدراسية وأنشئت أقسام علمية بالجامعات لدراسة العلاقات العامة
وتمنح جامعة بوسطن في أمريكا مثلا درجات الماجستير والدكتوراه في العلاقات العامة
والاتصال ، وذلك في مدرسة ” العلاقات العامة والاتصال بالإضافة إلى حوالي مائتي
نشأة العلاقات العامة في الوطن العربي :
أما في الوطن العربي فقد عرفت العلاقات العامة في مصر منذ الخمسينيات ، ولعل ” إبراهيم إمام ” هو الرائد في هذا المجال إذ أصدر كتاب ” العلاقات العامة والمجتمع ” عام 1959 م
وقام بتدريس العلاقات العامة لطلبة قسم الصحافة بجامعة القاهرة في الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي ( 1957 – 1958 )
وهكذا كان كتاب إبراهيم إمام هو مقدمة دخول علم العلاقات العامة لإلى الوطن العربي ويتحدث إبراهيم إمام عن التجربة بقوله :
” و لم أكن أتصور أن هذا العلم الذي قدمته لأول مرة سوف يلقى ذلك الإهتمام الكبير الذي لقيه داخل الجامعة وخارجها
وسرعان ما أنشئت معاهد لدراسة هذا العلم في مصلحة الاستعلامات ومعهد الإعلام ومعهد الاشتراكي
ومعهد الإرشاد القومي ، كما اهتمت به وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وهيئة الإذاعة
ومؤسسة السياحة والفنادق ووزارة الشباب ووزارة الحكم المحلي ، وغيرها من الوزارات والهيئات ”
ومن بين العوامل التي ساعدت على نمو العلاقات العامة وزيادة فعاليتها ذلك التقدم الذي طرأ على وسائل الإعلام
مما سهل عليه الإتصال بكافة الجماهير في كافة أرجاء العالم في وقت قصير
ولم تكن هذه الوسائل الحديثة متاحة من قبل
المصادر :
- هناء حافظ بدوي ، العلاقات العامة والخدمة الإجتماعية – أسس نظرية ومجالات تطبيقية
- صالح خليل أبو أصبع ، العلاقات العامة والإتصال الإنساني .
- هناء حافظ البدوي ، العلاقات العامة والخدمة الاجتماعية – أسس نظرية ومجالات تطبيقية .
- هناء حافظ بدوي ، العلاقات العامة والخدمة الإجتماعية ، أسس نظرية ومجالات تطبيقية .
- محمد بهجت جاد الله كشك ، العلاقات العامة والخدمة الإجتماعية ، بدون طبعة ،دار المعرفة ا الجامعية الحديثة ، الإسكندرية ، 2003
- أحمد بدر ، الإتصال بالجماهير بين الإعلام والتطويع والتنمية ، بدون طبعة ، دار قباء ، القاهرة ، 1998
مع تحيات المعهد