اوامر قاضي التحقيق – الأوامر المنهية للتحقيق
الفرع الأول: الأعمال السابقة للتصرف في الدعوى
بمجرد اعتبار التحقيق منتهيا يقوم قاضي التحقيق بإرسال الملف لوكيل الجمهورية بعد ترقيمه من طرف الكاتب وعلى النيابة أن تقدم طلباتها إلى المحقق خلال 10 أيام على أكثر طبقا للمادة 162/1([1]). ويستفاد من هذه المادة أن الأعمال السابقة لإصدار الأوامر المنهية للتحقيق تتمثل في ترقيم ملف القضية وإرساله إلى وكيل الجمهورية وتقديم النيابة طلباتها إلى قاضي التحقيق.
أولا: ترقيم ملف القضية
لإرسال الملف إلى وكيل الجمهورية يجب أن يهيئ ملف الدعوى وترتب أوراقه ولكي يكون لهذا الملف ترقيم فالقانون لم يحدد كيفيته بالتفصيل وإنما اكتفى في الفقرة 3 من المادة 68 من ق إ ج ([2]). بالقول بأن جميع أوراق الملف ترقم وتجرد أولا بأول حسب تحريرها أو ورودها على قاضي التحقيق، ولتوحيد العمل القضائي ضبط المنشور الوزاري رقم 314 المؤرخ في 12 أفريل 1967 القواعد المنظمة لإعداد وإرسال الملفات القضائية([3]).
ثانيا: إرسال الملف إلى وكيل الجمهورية
إذا رأى قاضي التحقيق بعد تحري القضية وترقيمها قد انتهت يأمر بإرسال الملف إلى وكيل الجمهورية قصد معرفة رأيه لأن عدم قيام قاضي التحقيق بهذا العمل لمعرفة طلبات النيابة العمومية يعتبر أنه قد تجاوز سلطته فعليه أن يتأكد قبل إصداره من أن التحقيق قد تم بالفعل وان جميع الإجراءات اللازمة قد اتخذت حتى لا يجد نفسه مضطرا إلى إجراء تحقيق تكميلي([4]).
فمثلا إذا رأى قاضي التحقيق بعد التحقيق الذي قام به أن القضية خباية ثابتة ثبوتا كافيا على شخص أو أكثر يصدر أمرا بإرسال الملف مرفوقا بأدلة الإثبات والمحاضر وكذلك التقارير التي تمت طبقا لمواد الجنايات إلى النائب العام لدى المجلس القضائي بمعرفة وكيل الجمهورية ثم يقوم النائب العام بتحويل الملف مع أدلة الإثبات إلى غرفة الاتهام لتنظر فيه وفقا لصلاحياتها وبعدها تصدر قرار بإحالة إلى محكمة الجنايات.
ثالثا: تقديم النيابة
يتقدم وكيل الجمهورية بطلباته إلى قاضي التحقيق خلال عشرة أيام دون أن يحدد شكلها أو مضمونها فهو يعتبر من اجتهاد قضاة النيابة العمومية فإذا لم يحقق قاضي التحقيق ما طلبه وكيل الجمهورية جاز لوكيل الجمهورية رفع استئناف إلى غرفة الاتهام في أجل أقصاه 10 أيام ويجب على وكيل الجمهورية أن يمضي الطلب ويضبط تاريخه و يسجل النيابة ويبلغ إلى قاضي التحقيق([5]).
غير أنه إذا رأى قاضي التحقيق أنه لا موجب لاتخاذ الإجراء المطلوب من السيد وكيل الجمهورية تعين عليه إصدار قرار مسبب خلال الأيام الخمسة التالية للطلب([6]).
ففي قضايا الجنح والمخالفات يكتفي أعضاء النيابة بإبداء رأيهم فيها على هامش أوامر المحقق أو بأسفلها مستعملين العبارات التالية << نظرا إليه مع الموافقة >> أو << نظر و التمس >> أو ما شابهها.
الفرع الثاني: الأمر بانتفاء وجه الدعوى بأن لا وجه للمتابعة ([7])
الأمر بان لا وجه للمتابعة أمر يصدره قاضي التحقيق بإنهاء التحقيق القضائي فتوقف الدعوى العمومية عند هذه المرحلة لوجود مانع قانوني وبعبارة أخرى فهو أمر يوقف السير في الدعوى بوجود مانع قانوني أو موضوعي يحول دون الحكم فيها بالإدانة([8]). فهو يتخذ هذا الأمر بعد أن يقتنع بان الوقائع لا تشكل جناية أو مخالفة يعاقب عليها أو عند وجود ركن من أركان الجريمة أو سبب من أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي أو مانع من موانع العقاب كالجنون([9]).
أولا: تسبيب الأمر بان لا وجه للمتابعة
وقد يبنى هذا الأمر على أسباب موضوعية تتعلق بالوقائع كأن تكون الأدلة غير كافية لإدانتهم أو تكون الواقعة المدعي بها غير صحيحة أو يكون المتهم مجهولا إلا أنه يتعين لصدور الأمر على هذه الأسباب أن يكون الأمر قد ألم بأدلة الدعوى.
وقد يؤسس الأمر على أسباب قانونية إذا كانت الوقائع لا تكون جريمة ما، أو من المسؤولية أو مانع من العقاب، وقد يكون الأمر بألا وجه للمتابعة كليا إذا اشتمل كافة الوقائع وجميع المتهمين أو جزء يا إذا لم يشمل إلا بعض الوقائع أو بعض المتهمين ولا يشترط في الأمر أن يصدر في نهاية التحقيق فقد اتضح براءة أو امتناع المسؤولية بالنسبة لأحد المتهمين في الجريمة أثناء التحقيق مع باقي المساهمين ،أو يصدر عفو بشأنه وحينئذ يصدر قاضي التحقيق ذلك الأمر بالنسبة له خلال التحقيق لا في نهايته([10]).
ثانيا: آثار الأمر بأن لا وجه للمتابعة
ويترتب على الأمر بانتفاء وجه الدعوى الذي يصدره قاضي التحقيق ضرورة الفصل في مسألة الإفراج عن المتهم وكذا مسألة التصرف في الأشياء المحجوزة فبمجرد صدور الأمر يفرج عن المتهم ما لم يطعن في هذا الأمر من طرف وكيل الجمهورية وفي حالة الطعن يظل المتهم محبوسا إلى أن تفصل غرفة الاتهام في هذا الطعن وفي حالة التي لم يطعن فيها وكيل الجمهورية فإنه يفرج عن المتهم وذلك بإخلاء سبيله ما لم يكن محبوسا لسبب آخر، أما مسألة التصرف في الأشياء المحجوزة فيبت فيها قاضي التحقيق بعد إصدار أمر بانتفاء وجه الدعوى وفي حالة عدم البت تصبح من اختصاص وكيل الجمهورية، وقد صدر قرار عن الغرفة الجنائية بخصوص هذا الأمر تضمن:
<< لما أن قاضي التحقيق لم يستوجب المتهم ولم يقم بإجراءات التحقيق إلى نهايتها حتى يستطيع إصدار آمر بانتفاء وجه الدعوى مبني على أسباب موضوعية تتعلق بتقدير الوقائع وثبوتها ،يتعين حينئذ نقض وإبطال قرار غرفة الاتهام المؤيد لأمر قاضي التحقيق الرامي إلى انتفاء وجد الدعوى >>([11]).
ثالثا: أنواع الأوامر بان لا وجه للمتابعة
إن الأمر بان لا وجه للمتابعة نوعان:
أولا: الأمر الكلي:
إن هذا النوع من الأوامر ينهي التحقيق بالنسبة لكل الوقائع الدعوى ولجميع الأشخاص الذين وقعت متابعتهم
ثانيا: الأمر الجزئي:
قد يجوز لقاضي التحقيق في حالة تعدد التهم أو المتهمين أن يصدر أمرا بان لا وجه للمتابعة بصفة جزئية سواء بالنسبة لإحدى التهم أو لأحد المتهمين طبقا لمقتضيات المادة 167 من ق إ ج التي تنص على انه يجوز أثناء سير التحقيق إصدار أوامر تتضمن بصفة جزئية أن لا وجه للمتابعة .
رابعا: حجية الأمر بأن لا وجه للمتابعة
من بين الآثار القانونية الهامة للأمر بأن لا للمتابعة إيقاف السير في الدعوى العمومية وذلك بإخلاء سبيل المتهم المحبوس مؤقتا ([12]) وذلك بعدم اتخاذ أي إجراء لاحق.
فالقاعدة العامة أنه لا تجوز متابعة نفس الشخص عن الفعل الواحد مرتين وإلا كانت المتابعة الثانية باطلة([13]).
أي أن الأمر بألا وجه للمتابعة له حجية ولكنها حجية مؤقتة أي جواز الرجوع عنه إذا توافرت أدلة جديد، ولذلك نصت المادة 175 من قانون الإجراءات الجزائية فقد منع الشرع العودة إلى التحقيق والمتابعة المتهم مرة ثانية من اجل ذات الواقعة التي صدر أمر بأنه لا وجه للمتابعة في صالحة ما لم تطرأ أدلة جديدة قبل انتهاء مدة التقادم وذلك حتى لا يكتسب الأمر بانتفاء وجه الدعوى قوة الشيء المقضي بصفة قطعية ونهائية([14]).
فبناء على ذلك قرار المجلس الأعلى نقض قرار الاتهام القاضي بتوجيه نفس الاتهامات إلى أشخاص سبق وأن صدر لصالحهم من أجل ذات الواقعة أمر نهائي بأن لا وجه للمتابعة([15])
الفرع الثالث: الأمر بالإحالة
بعد الانتهاء من التحقيق يصدر قاضي التحقيق المختص بعد تكييف الفعل المشكل للجريمة أمر بإحالته إلى المحكمة المختصة ويختلف تكييف الفعل ما إذا كان جنحة أو مخالفة أو جناية.
أولا: الأمر الإحالة إلى المحكمة الجنح أو المخالفات.
يتعين على قاضي التحقيق إحالة الدعوى إلى قسم المخالفات ([16]).
بمحكمة الجنح لأن في الجزائر توجد نوعان فقط من المحاكم محكمة الجنايات ومحكمة الجنح التي تنظر أيضا في المخالفات ومنها يفرج عن المتهم مباشرة إذا كان محبوسا مؤقتا وإذا كان المتهم موضوع تحت الرقابة القضائية يجب رفعها وذلك لعدم جواز الحبس المؤقت والرقابة القضائية في مواد المخالفات أما إذا تعلق الأمر بجنحة فإن السلطة المختصة بالتحقيق تحيل المتهم على محكمة الجنح وإذا كانت الجنحة في هذه الحالة تستوجب العقاب بالحبس وكان المتهم مسجونا فيصير إبقاءه في السجن مؤقتا([17])إذا كان تحت الرقابة القضائية فيبقى كذلك حتى ترفعها المحكمة أما إذا كانت بغير ضمان بشرط أن يحضر أمام المحكمة عند طلبه أو تكليفه بالحضور أو التنبيه عليه بذلك.
ثانيا: الأمر بالإحالة في الجنايات
إذا رأى قاضي التحقيق بعد تحقيق قام به أن القضية جناية ثابتة كافيا على شخص أو أكثر يصدر أمرا بإرسال الملف مرفوعا بأدلة الإثبات والمحاضر وكذلك التقارير التي تمت طبقا لمواد الجنايات إلى النائب العام لدى المجلس القضائي بمعرفة وكيل الجمهورية ثم يقوم النائب العام بتحويل الملف مع أدلة الإثبات إلى غرفة الاتهام لتنظر فيه وفقا لصلاحياتها وبعدها تصدر قرار بالإحالة إلى المحكمة الجنيات .
[1] -أنظر المادة 162/1 من ق إ ج.
[2] – أنظر المادة 68/3 من نفس القانون.
[3] -أنظر مجموعة المناشير لسنة 1967طبع مديرية التشريع لوزارة العدل الصفحات من 42-48.
[4] – انظر نفس المرجع ونفس الصفحة.
[5] -أنظر سليمان بارش- المرجع السابق- ص 177.
[6] -أنظر قرار رقم 121527 الصادر بتاريخ 15/02/1994 المجلة القضائية العدد الأول 1996.
[7] – يجب تميز الأمر بألا وجه للمتابعة عن الأمر بالحفظ الذي يصدره وكيل الجمهورية من حيث الطبيعة والحجة والآثار.
[8] -أنظر الدكتور عبد الله أو هايبية – شرح القانون الإجراءات الجزائية الجزائري – التحري والتحقيق- ص 416.
[9] – انظر معراج جديدي – الوجيز في الإجراءات الجزائية – ص 54.
[10] – أنظر أحمد شوقي الشلقاني – المرجع السابق- ص 297.
[11] – أنظر القرار رقم 120469 الصادر في 01/03/1994 عن الغرفة القضائية العدد الثالث 1994 ص 251.
[12] -نلاحظ أنه إذا رفع الاستئناف من وكيل الجمهورية بقي المتهم محبوسا لحين الفصل فيه، وبقي كذلك في جميع الأحوال إلي حين انقضاء ميعاد استئناف وكيل الجمهورية ما لم يوافق هذا الأخير على الإفراج عن المتهم في الحال.
[13] -انظر قرار صدر اليوم 19 ماي 1981 من القسم الأول للغرفة الجنائية الثانية في الطعن رقم 22186.
[14] -أي أنة القواعد المتعلقة بقوة الشيء المحكوم فيه هي من النظام العام ويترتب على عدم مراعاتها البطلان.
[15] – أنظر قرار صادر 10 ماي 1977 من الغرفة الجنائية الأولى في الطعن رقم 14994.
[16] – طبقا لما تقرره المادتان5و27 من قانون العقوبات التي أكدت عليها المادة 328إ ج “راجع نص المادة الأخيرة”
[17] – انظر المادة 164 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر في 08/06/1966.