اختصاصات قـاضي التحقـيق
يقصد بالاختصاصات الأعمال التي يخولها القانون لقاضي التحقيق ممارستها لإجراء التحقيق، لكن هذا الأخير لا ينعقد له تلقائيا وإنما بطرقتين أساسيتين لمباشرة التحقيق وهما :
1/طلب افتتاحي يقدمه وكيل الجمهورية
2/ شكوى مصحوبة بإدعاء مدني يقدمه المتضرر من الجريمة .
الفرع الأول : كيفية إتصال قاضي التحقيق بالدعوى العمومية
أولا: التحقيق بناءا على طلب من وكيل الجمهورية
حيث لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية لإجراء التحقيق حتى ولو كان ذلك بصدد جناية أو جنحة متلبس بها- المادة 67/1 من ق.إ.ج . ويجوز أن يوجه الطلب ضد شخص مسمى أو غير مسمى – المادة 67/2 من ق.إ.ج .
فعند وقوع الجريمة يقوم ضباط الشرطة القضائية بإخطار وكيل الجمهورية بدون تمهل الذي يتعين عليه أن يطلب من قاضي التحقيق فتح تحقيق إبتدائي .
ولكن الإشكال يمكن في حالة إنتقال قاضي التحقيق إلى مكان الجريمة ودون طلب من وكيل الجمهورية ، بناءا على خبر مثلا، فكيف التصرف في هذه الحالة .
لقد أجابت المادة 60 من ق.إ.ج : (إذا حضر قاضي التحقيق إلى مكان الجريمة فإنه يقوم بإتمام أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الفصل، وله أن يكلف أحد ضباط الشرطة القضائية بمتابعة تلك الإجراءات).
غير أن أعمال قاضي التحقيق في هذه الحالة تتقلص، فلا يجوز له إستجواب المتهمين ولا إجراء مواجهة بعضهم البعض ولا إلزام الشهود بحلف اليمين القانونية، وإنما يقوم بأعمال ضباط الشرطة القضائية فقط ، وما يجب الإشارة إليه بعد ذلك كله هو :
– أن التحقيق وجوبي في مواد الجنايات لطبيعة الجرائم ولشدة العقوبة .
– التحقيق في الجنح اختياري –جوازي، حيث يترك الأمر لقاضي التحقيق .
– أما المخالفات، فيطلب من وكيل الجمهورية ، وهذا نادر الوقوع .
وهو ما نصت عليه المادة 66 من ق.إ.ج.
ثانيا: التحقيق بناءا على شكوى مصحوبة بالإدعاء المدني
الوسيلة الثانية لإتصال قاضي التحقيق بالدعوى العمومية ليمارس سلطاته ويقوم بالبحث والتحري ويجري تحقيقا ابتدائيا، حتى أن تقدم إليه شكوى مصحوبة بإدعاء مدني في جريمة وقعت فعلا، غير أنه يشترط في هذه الشكوى عدة شروط أهمها :
1-أن يقدمها شخص متضرر من الجناية أو الجنحة.
2-أن تقدم هذه الشكوى لقاضي التحقيق
3-وأن تقدم قبل إنقضائها لأي سبب من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية .
ويقدم قاضي التحقيق بعد ذلك هذه الشكوى إلى وكيل الجمهورية لإبداء طلباته أو التماساته بشأنها.
وما يجب الإشارة إليه كذلك أنه يتعين على المدعي المدني الذي يحرك الدعوى العمومية أن يدفع مبلغا ماليا لزوم مصاريف الدعوى، وإلا كانت شكواه غير مقبولة، ويقدر هذا المبلغ بأمر من قاضي التحقيق كما يجب على المدعي المدني أن يعين موطنا مختارا بموجب تصريح لدى قاضي التحقيق .([1])
الفرع الثاني: الاختصاص الإقليمي لقاضي التحقيق
يقصد به المجال الإقليمي الذي يباشر فيه قاضي التحقيق اختصاصاته المحددة قانونيا، والاختصاص الإقليمي لقاضي التحقيق طبقا لقانون الإجراءات الجزائية نوعان :
أولا: الاختصاص المحلي :
يتحدد هذا الاختصاص بدائرة المحكمة أو المحاكم التي يباشر فيها قاضي التحقيق نطاق وظيفة الذي يتحدد بحسب قرار تعيينه . المادة 40 من ق.إ.ج ومنها يتضح أن الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق ينعقد إما :-بمكان وقوع الجريمة .
-أو محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه فيهم، وبمحل القبض على المتهم
ثانيا: الاختصاص الوطني :
الاختصاص الوطني لقاضي التحقيق وفق ما يحدده القانون، هو اختصاص يشمل كامل التراب الوطني ويحدد الحالات التي يكون كذلك، فينص على هذا النوع من الاختصاص لقاضي التحقيق فيما يتعلق بالتحقيق في الجرائم الموصوفة بالأعمال الإرهابية أو التخريبية، كالتفتيش والحجز طبقا لمانصت عليه المادة 47/3 من ق.إ.ج :(عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز ليلا أو نهارا وفي أي مكان على إمتداد التراب الوطني، أو بأمر ضباط الشرطة القضائية المختصين بذلك ). بالإضافة إلى الشروط السابقة الذكر، إدعاء مدني وطلب فتح تحقيق إبتدائي .
الفرع الثالث: الاختصاص النوعي لقاضي التحقيق
ويقصد به المجال الجرمي الذي يختص به قاضي التحقيق في الجرائم، وهي أعمال يقوم بها قاضي التحقيق دائما للكشف عن الحقيقة .
أولا: الإنتقال للمعاينة والتـفتيش :
1-الانتقال للمعاينة :
وهو إجراء من إجراءات التحقيق يترك أمر تقدير مدى لزومه لسلطة قاضي التحقيق ، فمتى رأى حاجة لإجراءه باشره، والمعاينة تتطلب الانتقال إلى مكان إرتكاب الجريمة لمعاينة الأمكنة والأشياء والأشخاص .وتنص المادة 79 ق.إ.ج على انه يجوز لقاضي التحقيق الانتقال إلى أماكن وقوع الجرائم لإجراء جميع المعاينات اللازمة أو القيام بتفتيشها، ويخطر بذلك وكيل الجمهورية الذي له الحق في موافقته، ويستعين قاضي التحقيق دائما بكاتب التحقيق، ويحرر محضرا بما يقوم به من إجراءات )([2])
والانتقال للمعاينة قد يقتضي أحيانا خروج المحقق من دائرة اختصاصه المكاني إلى دائرة اختصاص أخرى، إلا أنه في هذه الحالة عليه الالتزام بأحكام المادة 80 ق.إ.ج ([3])
والمعاينة التي يجرها قاضي التحقيق قد تقترن أحيانا بإعادة تمثيل الجريمة وبحضور أطراف الدعوى.
والمادة 96 ق.إ.ج تنص على انه: (يجوز لقاضي التحقيق مناقشة الشاهد ومواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم، وان يجري بمشاركتهم كل الإجراءات والتجارب الخاصة بإعادة تمثيل الجريمة مما يراه لازما لإظهار الحقيقة).
2 – التـفتيش:
التفتيش هو إجراء يسمح لقاضي التحقيق البحث في أي مكان يمكن العثور فيه على ما يفيد في إظهار الحقيقة.
ولما كان التفتيش من مظاهر التعدي على حرمة المساكن فقد تم تقييده بقيود قانونية خاصة، وهذا ما بينته المادتين 45 ، 47 من ق.إ.ج
فالقاعدة العامة في تفتيش المساكن عدم جوازه ليلا أصلا، أي بجوازه في حدود الميقات المقرر بين الساعة الخامسة صباحا والثامنة ليلا طبقا للمادة 47 ق.إ.ج :
(لا يجوز البدء في تفتيش المساكن او معاينتها قبل الساعة الخامسة ولا بعد الساعة الثامنة مساءا إلا إذا طلب صاحب المنزل أو وجهت نداءات من الداخل في الأحوال الاستثنائية المقررة قانونيا).
فإن القانون سمح لقاضي التحقيق أن يجري التفتيش ليلا خارج الميقات في الحالات :
الحالة الأولى:
في الجرائم العامة، أي الجنايات، إذ يجوز لقاضي التحقيق التفتيش في غير المدة المحددة بالشروط المنصوص عليها في المادة 82 ق.إ.ج :
1-أن يكون المتهم هو المراد تفتيشه .
2-أن يقوم قاضي التحقيق بنفسه عملية التفتيش .
3- أن يتم التفتيش بحضور وكيل الجمهورية بعد إخطاره .
4-أن يكون ذلك في مواد الجنايات .
الحالة الثانية:
في الجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية، يخول ق.إ.ج لقاضي التحقيق في إطار محاربة الإرهاب والتخريب سلطة الدخول إلى المساكن وتفتيشها في غير الميقات المقرر طبقا للأمر 95/10 المعدل والمتمم لـ ق.إ.ج الصادر بالأمر 66 . 155 .
والقانون يقرر في المادة 45 المحال إليها أن المادة 82-83 وجوب عملية التفتيش من طرف صاحب المسكن، أو من كان يجوز في مسكنه أشياء تفيد في إظهار الحقيقة، أو من ينوب عنهم أو بحضور شاهدين .
ثانيا: ضبط الأشياء والتصرف فيها :
الحكمة من إجراء التفتيش هو جمع الأدلة، فإن تم إيجادها قام قاضي التحقيق بضبطها ووضعها أحراز مختومة، ولا يجوز فتحها إلا بحضور المتهم مصحوبا بمحاميه، بعد استدعائه قانونا .
أما إذا كانت الأشياء المضبوطة نقودا أو ورق تجارية، جاز للقاضي أن يأمر الكاتب بإيداعها في الخزينة. وهنا يجب التفريق بين أمرين :
1-إذا كانت الأشياء تدعو إلى الاحتفاظ بها عينا أو بذاتها تودع في الخزينة .
2-أن النقود والأوراق التجارية يجب الاحتفاظ بها عينا كالأوراق النقدية المزيفة فهنا تضبط على ذمة القضية([4])
لكن هل يحق للمتهم إسترداد حق موضوع تحت الحراسة أو المدعي أو أي شخص أخر؟
يجوز لهذا الأخير استرداد حق موضوع تحت الحراسة شرط أن يبلغ هذا الطلب النيابة العامة كما يبلغ إلى كل من الخصوم الآخرين([5]).
ثالثا: إستجواب المتهم وسماع الشهود
1- استجواب المتهم ومواجهته :
يعتبر الاستجواب والمواجهة من بين أهم الإجراءات التي يباشرها قاضي التحقيق ، والغرض منه هو الوقوف على حقيقة التهمة الموجهة للمتهم بإعترافه عن نفسه أو إنكارها دفاعا عنه .
إذ يحيطه علما بكل الوقائع المنسوبة إليه، وينبهه بحريته في عدم الإدلاء بأي شيء، ويحرر ذلك في المحضر، ويوجه المتهم بأن يختار محاميا للدفاع عنه، ويحق له الاتصال به بمجرد استجواب المتهم لأول مرة، ويحرر محضرا بذلك([6]).
واستجواب المتهم يكون بمناقشته مناقشة تفصيلية في التهم الموجهة إليه .
أما المواجهة فهي وضع المتهم وجها لوجه إزاء متهم آخر أو شاهد، ويتولى المتهم الإجابة عن الأسئلة التي تطرح عليه أثناء المواجهة، أما بتأكيدها إن كانت في صالحه، أو بنفيها إن كانت تدينه
وما يجب الإشارة إليه هو أن يوضع ملف الإجراء تحت طلب محامي المتهم قيل استجوابه بأربع وعشرين ساعة على الأقل، ويرد في ذلك استثناء في حالات الاستعجال الناجمة عن وجود شاهد في حالة خطر الموت أو على وشك الاختفاء المادة 101 من ق.إ.ج ( يجوز لقاضي التحقيق على الرغم من مقتضيات الأحكام المنصوص عليها في المادة 100 أن يقوم في الحال بإجراء الاستجواب أو مواجهة تقتضيها حالة إستعجال ناجمة عن وجود شاهد في خطر الموت أو وجود أمارات على وشك الاختفاء ) ([7]).
وتحرر في الختام محاضر الاستجواب والمواجهات ووقف للأوضاع المنصوص عليها في المادة 94 –95 ق.إ.ج وتطبيق أحكام المادة 91 – 92 ق.إ.ج في حالة استدعاء مترجم.
2- سماع الشهـود :
تعتبر شهادة الشهود وسيلة من الوسائل المساعدة في كشف الحقيقة، ولذلك يجوز لقاضي التحقيق استدعاء أي شخص يمكن أن يفيد بشهادته. ويتم الاستدعاء بواسطة أحد أعوان القوة العمومية وعلى كل شخص استدعى للشهادة أن يؤدي اليمين القانونية. المادة 89 ق.إ.ج – ويكون ذلك أمام كاتب التحقيق
ويستثنى القصر الذين لم يبلغوا السادسة عشر سنة من أداء اليمين، وكذلك المحرومون من الحقوق الوطنية – المادة 228 ق.إ.ج .
وتتم عملية أداء الشهادة فردية من غير حضور المتهم – المادة 90 ق.إ.ج – ويمكن لقاضي التحقيق طلب إعادة تمثيل الجريمة إن أمكن ذلك – المادة 96 ق.إ.ج .
ويجوز في حالة عدم إمتثال الشاهد للحضور إستحضاره بالقوة العمومية والحكم عليه بغرامة مالية تتراوح بين 200 دج و2000 دج، أما إذا أمتنع الشاهد عن أداء اليمين أو الإدلاء بالشهادة حكم عليه بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية من 1000 دج إلى 10000 دج، أو بإحدى العقوبتين، أما إذا تعذر على الشاهد الحضور لسبب قانوني، إنتقل قاضي التحقيق إليه، ويتم نهاية لكل هذا التوقيع على صفحات التحقيق .
رابعا: الاستعانة بالخبراء
كثيرا ما تعرض على قاضي التحقيق أثناء ممارسته لمهامه حالات خاصة تجعل من الصعب عليه الوصول إلى الحقيقة الموجودة دون اللجوء إلى الاستعانة بالخبراء. فإذا حصل مثلا أن وقعت جريمة قتل ووجد شخص ميت في بيته ولم يعرف القاتل وحامت شبهات حول كون الوفاة حصلت بسبب جريمة سم أو أكل مسموم، فإن الوصول إلى الحقيقة يتطلب فحص جثة الضحية، فيستعين قاضي التحقيق بالخبير والمتمثل في الطبيب الشرعي. وأيضا رفع البصمات وتحليلها في حالات أخرى.
ويقوم الخبراء بمهمتهم تحت رقابة قاضي التحقيق، وهم يختارون من بين الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد أخذ رأي النيابة العامة .
ومهمة الخبراء مهمة فنية بحتة لا تتعلق بالجانب القضائي للواقعة. المادة 146 من ق.إ.ج ولا يقتصر طلب الخبرة من قاضي التحقيق فقط، بل يمكن أن يطلبه أطراف الخصومة. المادة 152 من ق.إ.ج. وعند ختام مهمتهم يحررون –الخبراء- تقرير مفصلا
الفرع الرابع: الاختصاص الشخصي لقضاة التحقيق
أولا: الاختصاص الشخصي
القاعدة العامة أن قاضي التحقيق يحقق مع جميع الأشخاص المتهمين من طرف النيابة العامة الواردة أسمائهم في طلبها الافتتاحي أو في طلب إضافي طبقا للمادتين 35/1 ،67/1 أو الذين يجوز لقاضي التحقيق توجيه الاتهام لهم بشأن الوقائع المعروضة عليه طبقا لأحكام المادة 67/3 إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ يقرر القانون إستثناءات عليها بإعطائه سلطة التحقيق مع فئات معينة لجهات أخرى غير قاضي التحقيق، مثل الأحداث
–المادة 42 ق.إ.ج وكذلك العسكريون – المادة 10 – من قانون القضاء العسكري.
ثانيا: الاستثناء الوارد على الاختصاص الشخصي (الإنابة القضائية)
لقاضي التحقيق إنابة أي قاض من قضاة المحكمة أو أحد قضاة الضبط القضائي المختص بالعمل من تلك الدائرة أو أي قاض من قضاة التحقيق للقيام بما يراه لازما من إجراءات التحقيق في الأماكن الخاضعة للجهة القضائية التي يتبعها، ويذكر في الإنابة نوع الجريمة المتابعة، ويتم تأريخ الإنابة القضائية وتوقع من طرف القاضي الذي أصدر الأمر .
[1] مولاي ملياني بغدادي، الإجراءات الجزائرية في التشريع الجزائري، الجزائر، دون طبعة ، ص 237.
[2] اسحاق ، إبراهيم منصور،المبادئ الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 1995
[3] د إسحاق إبراهيم منصور، المبادي الأساسية في قانون الإجراءات الجزائية ،ص 130
[4] أنظر المادة 48 ق.إ.ج.
[5] مولاي ملياني بغدادي ، الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري، الجزائر ، دون طبعة ، ص 247.
[6] المادة 100 ق.إ.ج
[7] مولاي ملياني بغدادي، مرجع سابق، ص 250