أوامر قاضي التحقيق – الأوامر الصادرة في بداية التحقيق.
الفرع الأول: الأمر بعدم الاختصاص
يتصل قاضي التحقيق بالدعوى العمومية إما بناء على طلب وكيل الجمهورية أو بناء على شكوى مصحوبة بإدعاء مدني من قبل المتضرر من الجريمة و في كلتا الحالتين ينبغي أن يتأكد من أنه مختص بإجراء التحقيق في القضية المعروضة عليه طبقا للمادة 40 /1 من قانون الإجراءات الجزائية” يتحدد اختصاص قاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة أو محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى ولو كان هذا القبض قد حصل لسبب آخر” ([1]).
أولا: الأمر بعدم الاختصاص الشخصي
خصص المشرع في المادة 451 من ق إ ج قاضي الأحداث الموجود لدى قسم الأحداث بالتحقيق في الجنح التي ترتكب بدائرته أو التي بها محل إقامة القاصر ووالديه أو وصيه أو عثر بها عليه أو كان بها محل إيداعه بصفة مؤقتة أو نهائية كما خصص بالجنايات قاضي قسم الأحداث الموجود بمقر المجلس القضائي بحيث لا يجوز لوكيل الجمهورية أن يكلف قاضي التحقيق العادي بإجراء التحقيق بالنسبة للقاصر إلا بصفه استثنائية وفي حالة تشعب القضية نزولا على طلب قاضي الأحداث وبموجب طلبات مسببة طبقا للمادة 452/4([2]).
ثانيا:الأمر بعدم الاختصاص النوعي
قد يخول المشرع لجهة قضائية غير عادية حق نظر بعض الجرائم كما هو الشأن بالنسبة للمحاكم العسكرية فيما يخص جريمتي التحريض على الفرار من الجيش وإخفاء الهارب، فإذا عرضت القضية على قاضي التحقيق العادي للبحث فيها فإنه يتعين عليه أن يصدر أمرا بعدم الاختصاص.
ثالثا: الأمر بعدم الاختصاص المحلي
النيابة العامة وبصفتها ممثلة للمجتمع هي التي تحرك الدعوى العمومية إلا أنه في حالة عدم تحريكها من طرف وكيل الجمهورية لسبب من الأسباب فأنه يجوز للمتضرر من الجريمة أن يبادر بتحريكها بنفسه وذلك بتقديم شكوى مع إدعاء مدني أمام قاضي التحقيق المختص طبقا للمادة 72 من ق إ ج فإذا كان هذا القاضي غير مختص بنظرها أصدر أمر بعدم الاختصاص.
الفرع الثاني: الأمر بالامتناع عن إجراء التحقيق
يتعين على المحقق أن يتأكد من توافر شروط قبول الدعوى العمومية التي يريد تحريكها، فإذا كانت لشروط الأهلية والمصلحة و قبول الدعوى العمومية متوافرة تعين عليه ألا يمنع عن إجراء التحقيق أيا كانت التماسات النيابة ([3]).
أما إذا تبين له أن هذه الدعوى غير مقبولة لانقضائها أو لعدم توافر شرط من شروط إقامتها أو لكون الواقعة لها طابع مدني محض ولا تكون أية جريمة يعاقب عليها القانون أمر بعرض شكوى المدعي المدني إلى وكيل الجمهورية لإبداء طلباته بشأنها طبقا للمادة 73 من ق إ ج ([4]) ولم يحدد القانون شكل هذه الطلبات وإنما جرى العمل أن يكتفي وكيل الجمهورية بالإشارة على هامش أمر المحقق إلى انه نظر ملف القضية ويلتمس إجراء أو عدم إجراء التحقيق فيها غير انه يستحسن أن يدرس ممثل النيابة القضية بصفة جدية وأن يسبب طلباته بقبول أو رفض إجراء التحقيق فيها تسبيبا كافيا فإذا وافق قاضي التحقيق على طلبات النيابة أصدر أمرا بعدم إجراء التحقيق.
أما إذا لم يوافق أصدر أمرا مخالفا لطلبات النيابة على أن يكون هذا الأمر مسببا تسبيبا كافيا تحت طائلة البطلان ويمكن تحرير هذا الأمر([5]) فلا يمكن لقاضي التحقيق رفض إجراء التحقيق إلا في حالات معينة ومن ثم يتعرض للنقض قرار غرفة الاتهام المؤيد الرامي إلى رفض إجراء التحقيق ضد مجهول([6]).
الفرع الثالث: الأمر بالتخلي
قد يحدث وان تختلف هذه الأمكنة الثلاثة المنصوص عليها في المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية المتمثلة في مكان وقوع الجريمة أو بمحل إقامة مرتكبها أو بمكان إلقاء القبض عليه ليتحدد لقاضي التحقيق اختصاصه المحلي، فهل يجوز لقاضي التحقيق أن يتخلى عن التحقيق في الدعوى المعروضة عليه لصالح زميله الذي ارتكبت الجريمة بدائرته أو الذي يقيم بها المتهم ؟ كان قاضي التحقيق العادي يصدر أمرا بالتخلي لفائدة زميله لدى القسم الاقتصادي لمحكمة الجنايات بمجرد توصله بالطلبات الكتابية للنائب العام لدى هذه الجهة([7]).
كانت الجهة العادية المكلفة بالتحقيق تتخلى وجوبا عن الدعوى إذا طلب النائب العام لدى المجلس الخاص ذلك([8]).فبموجب المادتان 545-548 من ق إ ج.
فنجد في الفقرة الرابعة من المادة 545 ينتهي التنازع بين القضاة إذا كان قضاة التحقيق التابعين لمحاكم مختلفة قد أصدروا بناء على طلبات النيابة العامة أوامر بالتخلي عن نظر الدعوى لصالح أحدهم كذلك نصت المادة 548 بأنه يجوز للمحكمة العليا في مواد الجنايات والجنح والمخالفات إما لداعي الأمن العمومي أو لحسن سير القضاء أو بسبب قيام شبهة مشروعة أن تأمر بتخلي أية جهة قضائية عن نظر الدعوى وبإحالتها إلى جهة قضائية أخرى من نفس الدرجة فبناء على هذه النصوص ومراعاة لحسن سير القضاء يمكن لقاضي التحقيق ان يتخلى عن الدعوى لصالح زميله الذي يقتسم معه الاختصاص شريطة حصول اتفاق سابق بينهما تفاديا لنشوء تنازع في الاختصاص([9]).
[1] – أنظر المادة40/1 من قانون الإجراءات الجزائية.
[2] -انظر المادة 452/4 من قانون الإجراءات الجزائية.
[3] -أنظر قرار صادر 12 يناير 1993 من الغرفة الجنائية في الطعن رقم 103660 المجلة القضائية للمحكمة العليا العدد 1 سنة 1994 ،ص 242.
[4] -تنص “يأمر قاضي التحقيق بعرض الشكوى على وكيل الجمهورية في أجل خمسة أيام”
[5] -أنظر جيلا لي بغدادي-ص 166-167.
[6] -أنظر قرار رقم124961 الصادر في 12/07/1994 المجلة القضائية 1999/1 ص 205.
[7] -أنظر المادة 327-4 الملغاة بقانون رقم 90-24 المؤرخ في 24 غشت 1990 .
[8] – المادة 39 من المرسوم التشريعي المتعلق بمكافحة التخريب والإرهاب الملغى بالأمر رقم 95-10 المؤرخ في 25 فبراير1995.
[9] -أنظر جيلا لي بغدادي التحقيق( دراسة مقارنة نظرية وتطبيقية) ،ص 169 الطبعة الأولى الديوان الوطني للأشغال التربوية سنة 1998.