تاريخ الإنترنت: من أربانيت إلى الشبكة العنكبوتية العالمية
يتناول هذا المقال تاريخ تطور الإنترنت، بدءًا من نشأته كمشروع عسكري إلى تحوله إلى ظاهرة عالمية أثرت في جميع جوانب حياتنا. سنستعرض المحطات الرئيسية في هذه الرحلة، مع التركيز على التقنيات والأفراد الذين ساهموا في بناء هذا العالم الرقمي المترابط.
تاريخ الإنترنت – أربانيت: البداية
تختلف المصادر حول تحديد اللحظة الدقيقة لولادة الإنترنت، إلا أن هناك إجماعًا على أن شبكة أربانيت (ARPANET) كانت نقطة الانطلاق الرئيسية. بدأ جوزيف كارل روبنت ليكلايدر، صاحب الخلفية في الرياضيات والفيزياء وعلم النفس، مسيرته المهنية التي تحولت تدريجيًا نحو علوم الحاسوب. في عام 1962، انضم ليكلايدر إلى وكالة مشاريع البحوث المتطورة (ARPA) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، والتي تأسست عام 1958 بهدف تطوير التقنيات العسكرية. في عام 1963، كتب ليكلايدر مذكرة حول شبكة حاسوب عالمية أطلق عليها اسم “الشبكة بين المجرات” (Intergalactic Network)، والتي تضمنت أفكارًا تشبه إلى حد كبير مفهوم الإنترنت الحديث.
على الرغم من مغادرة ليكلايدر للوكالة في عام 1964، إلا أن خلفاءه واصلوا العمل على فكرته. وفي عام 1969، تم تشغيل شبكة أربانيت، التي ربطت أربعة حواسيب رئيسية في جامعات لوس أنجلوس، وسانتا باربرا، ويوتا، ومعهد ستانفورد للأبحاث.
شهدت أربانيت نقلة نوعية مع تطوير أول برنامج بريد إلكتروني في عام 1971 على يد روي توملينسون، مما أدى إلى استخدام الشبكة على نطاق واسع للتواصل. يوضح الشكل التالي خريطة لشبكة أربانيت في عام 1971:
إيثرنت و TCP/IP: محركات النمو
في عام 1973، تم تطوير تقنية إيثرنت (Ethernet)، التي سهّلت إنشاء شبكات محلية (LANs) وربط أجهزة الكمبيوتر الشخصية بها. أدى ذلك إلى انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية وظهور الحاجة إلى ربط هذه الشبكات المتباينة معًا.
وهنا جاء دور بروتوكول الإنترنت TCP/IP، حيث يتولى بروتوكول الإنترنت (IP) مهمة عنونة أجهزة الاتصال في الشبكة
بينما يتولى بروتوكول التحكم في الإرسال (TCP) مهمة تبادل البيانات. في عام 1974
تم استخدام مصطلح “إنترنت” لأول مرة في إحدى مواصفات TCP.
بفضل هذه التطورات، أصبح من الممكن توسيع نطاق أربانيت عالميًا في عام 1973، حيث تم ربط أجهزة حاسوب من إنجلترا والنرويج بالشبكة.
ظهور نظام أسماء النطاقات (DNS)
على الرغم من التطورات، إلا أن نمو أربانيت كان بطيئًا، حيث لم يتجاوز عدد العقد المتصلة بها بضع مئات حتى ثمانينيات القرن الماضي.
وللتغلب على تحدي إدارة عناوين هذه الأجهزة، تم تطوير نظام أسماء النطاقات (DNS) في عام 1983.
يعتمد DNS على مبدأ بسيط: يتم إعطاء أسماء للنطاقات (Domains) يتم ربطها بعناوين IP الخاصة بها في دليل أسماء. وبالتالي
يمكن للمستخدم الوصول إلى جهاز في الشبكة بمعرفة اسم النطاق الخاص به، مثل amazon.de. في نفس العام، أصبح TCP/IP هو البروتوكول القياسي في أربانيت، مما أدى إلى ترسيخ مصطلح “إنترنت” لوصف شبكة أربانيت.
انقسام أربانيت وظهور NSFNET
في عام 1983، انقسمت أربانيت إلى شبكتين:
MILNET للاستخدام العسكري و ARPANET للأبحاث. في أوائل الثمانينيات، تم دمج شبكة مؤسسة العلوم الوطنية (NSFNET) في أربانيت. نظرًا لسرعات نقل البيانات العالية في NSFNET، أصبحت هي العمود الفقري للإنترنت
مما أدى إلى إيقاف تشغيل أربانيت في عام 1990 وفتح NSFNET للاستخدام التجاري والعام.
وهكذا بدأت مسيرة الإنترنت، حيث ارتفع عدد الأجهزة المتصلة من 300,000 في عام 1990 إلى 93,000,000 في عام 2000.
ولادة الويب ولغة HTML
في عام 1989، قدم تيم بيرنرز-لي اقتراحًا لنظام إدارة وثائق يعتمد على النصوص التشعبية (Hypertext) في معهد سيرن للأبحاث النووية في سويسرا.
كان الهدف من هذا النظام، الذي سمي فيما بعد بالشبكة العنكبوتية العالمية (World Wide Web أو WWW)، هو ربط نتائج البحوث حول العالم. تعتمد فكرة الويب على ربط الوثائق أو أجزاء منها بروابط تشعبية (Hyperlinks).
كانت هذه هي بداية لغة ترميز النصوص التشعبية (HTML)، التي تشكل اليوم الهيكل الأساسي لصفحات الويب.
أيضا في عام 1990، قام بيرنرز-لي، بالتعاون مع روبرت كايو، بتطوير أول متصفح ويب وأول خادم ويب
اللذين استخدما بروتوكول نقل النصوص التشعبية (HTTP) لنقل صفحات الويب والبيانات عبر الإنترنت.
تم تسمية المتصفح الأول بـ WorldWideWeb، ثم تم تغيير اسمه لاحقًا إلى Nexus. في عام 1993
طور مارك أندريسن متصفح Mosaic، وهو أول متصفح ويب بواجهة رسومية، مما سمح لغير المتخصصين باستخدام الويب، ومهد الطريق لاستخدام الإنترنت كما نعرفه اليوم.
كان هذا مدخل بسيط حول تاريخ الإنترنت ، نلتقي في مواضيعنا القادمة التي تندرج ضمن هذا التصنيف