آثار جريمة غسيل الأموال

آثار جريمة غسيل الأموال

    إن نجاح عملية غسيل الأموال واستكمال مراحلها المختلفة، يعني تمكين الجناة وعصابات الجريمة المنظمة من قطف ثمار جرائمهم واستفادتهم بصورة تبدو مشروعة من هذه الأموال، مما يعني استمرار الجريمة بشتى أشكالها وأنواعها، مما ينجم عنه تداعيات وأضرار شاملة على الاقتصاد الوطني والعالمي، إضافة إلى عدد من الآثار السلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي[1].

الفرع الأول: الآثار الاقتصادية

    تؤدي جريمة غسيل الأموال إلى إيجاد منافسة غير متكافئة مع المستثمرين الحقيقيين في المجتمع، فالشركات التي يتم تأسيسها بأموال مغسولة متحصلة من أنشطة غير مشروعة تكون قادرة على عرض سلعها وخدماتها بأسعار أقل من الشركات المنافسة مما يؤدي إلى صعوبة مواجهة هذه الأموال وانهيار الاستثمارات، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تمكين غاسلي الأموال من التحكم بالأسواق دون منافس، كما تؤدي هذه الجريمة إلى إحداث تضخم في الأسعار، مما ينتج عنه زيادة في السيولة النقدية ورفع سعر الأصول عن المستوى المعتاد الذي يتناسب مع الزيادة الطبيعية في إنتاج السلع والخدمات، ما يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود[2].    من الآثار السلبية الأخرى لجريمة غسيل الأموال من الناحية الاقتصادية خفض قيمة العملة في الدولة التي تمارس فيها هذه العمليات، مما يؤدي إلى زيادة حجم المال والبورصات لازمات قد تؤدي إلى انهيارها، ومثال ذلك تايلند في سنة 1997، حيث تعرضت هذه الدولة لأزمة مالية خطيرة أدت إلى انخفاض قيمة عملتها الوطنية خلال فترة 3 أسابيع إلى (25%) أمام الدولار الأمريكي[3]، كما تؤدي جريمة غسيل الأموال إلى عدم ثقة الأفراد والمؤسسات في الجهاز المصرفي والبنوك المتعاملة معها وبالتالي إغلاقها، إضافة إلى الإضرار بسمعة الدولة الاقتصادية أمام الهيئات المانحة للقروض والمساعدات فتمتنع عن إقراضها ما تحتاجه، وبعد ذلك يقوم أصحاب هذه الأموال غير المشروعة بتهريبها إلى الخارج مما يؤدي إلى كساد الاقتصاد الوطني[4].

الفرع الثاني: الآثار الاجتماعية:

    يترتب على عمليات غسيل الأموال زيادة الأموال المتحصلة من مصادر غير مشروعة والتي يتم غسلها على أيدي فئات من المجتمع، ويترتب على هذا زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وسوء توزيع الدخل القومي، وتؤدي جريمة غسيل الأموال إلى انتشار الجرائم كالرشوة والاحتيال والاختلاس وغيرها[5]، كما يترتب على هذه العمليات انتشار البطالة في المجتمع نتيجة تهريب جزء كبير من الدخل القومي خارج البلاد لغسلها، فتعجز الدول التي هرب منتها رأس المال عن توفير فرص العمل لمواطنيها، إضافة إلى تمكين المنظمات الإجرامية من استخدام عائد الأموال غير المشروعة في الإرهاب، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار عصابات مافيا المخدرات والسلاح وبالتالي إجراء مزيد من عمليات غسيل الأموال وتحقيق المزيد من الأرباح[6].

  الفرع الثالث: الآثار السياسية

    لقد تبين مسبقاً أن جرائم غسيل الأموال ترتبط بشكل وثيق بالفساد والخروج على القانون، إذ أنها تهدف إلى اختراق أجهزة الدولة السياسية والمالية والإدراية والوصول إلى مراكز صنع القرار والتأثير عليها مستغلة بذلك ما يوفره المال من نفوذ وسطوة، مما يؤدي إلى ضعف هذه الأجهزة وعدم تمكنها من دورها المتمثل في مكافحة هذه الظاهرة السلبية، إضافة إلى أن هذه الأموال قد تستخدم في الأنشطة الإرهابية التي قد تؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية ومقاومة السلطات، كما أن باستطاعة هذه الأموال التأثير في الحملات الانتخابية وإيصال أشخاص إلى البرلمان الذي يمثل الشعب ويراقب الحكومة ويصدر التشريعات، وبإمكانها أيضاً السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى التأثير على وعي المجتمع وعدم مكافحة هذه الظاهرة[7]. 


[1] زهير سعيد الربيعي، المرجع السابق، ص 47.[2] د. أشرف توفيق شمس الدين، “مدى ملائمة تجريم غسل الأموال للقواعد المصرفة: دراسة لقانون مكافحة غسيل الأموال المصري والمقارن”، بحث قدم إلى مؤتمر الأعمال المصرفية الالكترونية بين الشريعة والقانون، دبي، 9-11 أيار، 2003، ص1418.[3] بلغ حجم الأموال التي يراد غسلها بفرنسا 40 مليارات دولار سنوياً، وفي كندا أكثر من 17 مليار دولار سنوياً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 100 مليار دولار سنوياً.[4] عبد الوهاب عرفة، جريمة غسل الأموال، الطبيعة الأولى، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2005، ص16.[5] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص55.[6] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص 17.[7] أشرف توفيق شمس الدين، المرجع السابق، ص1420.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock