مفهوم جريمة غسيل الأموال
يقصد بغسيل الأموال “مجموعة العمليات التي يرتكبها الجاني بقصد إضفاء المشروعية على الأموال المتحصلة من مصادر غير مشروعة لاستثمارها في أنشطة مشروعة”[1].
ارتبط مفهوم غسيل الأموال في البداية بالتجارة غير المشروعة في المخدرات، حيث قام المجرمون بغسل ملايين الدولارات الناتجة عن هذه التجارة وتوظيفها في المؤسسات المالية، وذلك من خلال استغلالهم عدم وجود قوانين تلزم هذه المؤسسات بالإبلاغ عن هذه الصفقات المريبة[2].
يختلف مفهوم غسيل الأموال من جهة المنظور القانوني من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تأخذ بالمفهوم الضيق لغسيل الأموال، ويقتصر هذا المفهوم على العمليات التي تحاول إخفاء الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات دون غيرها من الجرائم، وتأخذ بعض الدول بالمفهوم الواسع لجريمة غسيل الأموال، حيث يشمل كافة الأموال المتحصلة من كافة الأنشطة الإجرامية[3].
يقصد بالمفهوم الضيق هنا أن الأموال غير المشروعة هي الأموال المتحصلة من جريمة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والتي يهدف الجاني من خلالها إخفاء حقيقتها كي تبدو مشروعة، وقد استخدمت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية هذا المصطلح باعتباره المصدر الأول للتعريف القانوني لغسيل الأموال[4].
أما بالنسبة للمفهوم الواسع لجريمة غسيل الأموال فهو تعبير يقصد به إخفاء أو تمويه المصادر الحقيقية غير المشروعة للأموال المنقولة وغير المنقولة المتحصلة عن ارتكاب الجرائم المنظمة كتجارة المخدرات والمؤثرات العقلية وتهريب السلاح وتزوير النقود وتجارة الرقيق…الخ، ومن ثم إدخال هذه الأموال في نطاق الدورة الاقتصادية المشروعة وصولاً إلى تداولها بصورة طبيعية ومشروعة[5].
إن ظاهرة غسيل الأموال قديمة، حيث ارتبطت قديماً بأعمال القرصنة في العصور الوسطى، ففي هذه الفترة كانت القروض الربوية منتشرة بشكل كبير مع معارضتها من قبل الكنيسة الكاثوليكية التي حرمت الربا واعتبرته جريمة، لذلك عمد المرابون إلى إخفاء شكل هذه الفوائد وإظهارها بصورة مختلفة، أما في ثلاثينات القرن العشرين فقد ظهرت عصابات المافيا في الولايات المتحدة وايطاليا، حيث كان يتوفر لديها أموال طائلة ناتجة عن جرائم أغلبيتها متحصلة من تجارة المخدرات، فقام شخص يدعىMayer Lansky)) والذي يمثل حلقة الوصل بين المافيا في الولايات المتحدة وايطاليا باللجوء إلى المصارف السويسرية وأخذ قروض وهمية بهدف إنشاء مدينة للقمار في منطقة لاس فيجاس الأمريكية[6].
هناك من يقول أن مصطلح غسيل الأموال قد ظهر في فترة السبعينات، عندما تبين لرجال مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة أن التجار الذين يبيعون المخدرات بالتجزئة يتجمع لديهم في نهاية كل يوم فئات صغيرة من العملات الورقية والمعدنية، حيث يقوموا بغسلها بواسطة المواد الكيماوية بهدف تنظيفها من آثار المخدرات، ومن هنا جاءت عملية الربط بين تجارة المخدرات وغسيل الأموال، وهناك من يشير إلى أن هذا المصطلح لم يظهر إلا في إطار فضيحة ووترجيت (Watergate scandal) سنة 1973، عندما ظهرت الدعوى التي تتبع مسار الفضيحة بهدف التعرف على مرتكبيها والمتورطين فيها[7].
[1] خالد حامد مصطفى، جريمة غسل الأموال: دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2008،ص1
[2] د. خالد حامد مصطفى، المرجع السابق، ص7.
[3] أمجد سعود الخريشة، جريمة غسيل الأموال: دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة مؤتة، 2005، ص26.
[4] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص27.
[5] رمزي نجيب القسوس، غسيل الأموال جريمة العصر: دراسة مقارنة، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، 2002، ص13.
[6] د. يوسف عبد المجيد المراشدة، جريمة غسيل الأموال والجهود الدولية لمكافحتها، بحث منشور على الموقع الالكتروني: www. Eastlaw.com. ، ساعة الدخول 5:30 مساء تاريخ 25/7/2009 .
[7] أمجد سعود الخريشة، المرجع السابق، ص35.