الفاعل المعنوي في الجريمة

الفاعل المعنوي في الجريمة

مقدمة

قد تقع الجريمة بفعل فاعل واحد لا يشاركه فيها أحد، ولكنْ من الممكن أيضًا أن يساهم عدد من الأشخاص في ارتكابها. وهؤلاء المساهمون قد يشاركون جميعًا قصداً في إتيان الأفعال المادية المكونة للجريمة. في هذه الحالة، يسأل كل واحد منهم كما لو كان قد ارتكب الجريمة بمفرده، إذ أن كلًا منهم يعد فاعلًا أصليًا في الجريمة طالما توافر لديهم جميعًا قصد الاشتراك فيها بهدف إبرازها إلى حيز الوجود.

وقد يقوم أشخاص، عن قصد، بإتيان أفعال لا تعتبر في حد ذاتها من الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة، لكنّها على جانب من الخطورة والأهمية بحيث لولاها لما أمكن للفاعل الأصلي أن يرتكب جريمته، كما لو تدخل شخص وقدّم للفاعل الأصلي سلاحًا أو أدوات أو إرشادات تساعد على ارتكاب الجريمة. ومن المتصور أيضًا أن يتخذ التعاون الإجرامي شكلًا آخر، وهو التحريض على ارتكاب الجريمة، كما هو الحال حين يحرض شخص شخصًا آخر على ارتكاب جناية أو جنحة.

وعلى ذلك، فإن المساهمة الجنائية يمكن أن تقع في صور متعددة، حيث توزع الأدوار بين الشركاء، فيقوم كل منهم بالدور المادي الموكل إليه، ويكون لكل منهم إرادته الإجرامية التي تتجه نحو الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، أي نحو تحقيق الجريمة وإبرازها إلى حيز الوجود.

التحريض كشكل من أشكال المساهمة الجنائية

يعتبر التحريض من أخطر صور النشاط الإجرامي، لأن المحرض غالبًا ما يكون هو المدبر لارتكاب الجريمة والمخطط لها والمسؤول الرئيسي عن تنفيذها. وهذا ما دعا بعض التشريعات إلى إخراج التحريض من نطاق المساهمة الجنائية، والنص عليه بصفة مستقلة، واعتبار المحرض في حكم الفاعل.ولو أمعنا النظر في المحرض، لما أمكن وصفه بأنه فاعل للجريمة لأنه لا يساهم في تنفيذها. كما لا يسوغ القول بأن نشاط المحرض تبعي بالنسبة لنشاط فاعل الجريمة الأصلي، لأن هذا المحرض هو الذي يخلق التصميم الإجرامي في ذهن الفاعل. وعليه، فإن بعض التشريعات ومنها المشرع الأردني تقرر مسؤولية المحرض وفقًا لقصده الجرمي، وهي تعتمد في ذلك على فكرة الفصل بين مسؤولية المحرض ومسؤولية “الفاعل”.

توصيات المؤتمر السابع للجمعية الدولية لقانون العقوبات

وقد تناول المؤتمر السابع الذي نظمته “الجمعية الدولية لقانون العقوبات” في أثينا سنة 1957، موضوع “الاتجاه الحديث في فكرة الفاعل أو الشريك والمساهمة في الجريمة”.

ومن ضمن توصيات هذا المؤتمر أن قواعد المساهمة الجنائية التي يقررها كل نظام قانوني يجب أن تضع في اعتبارها الفروق بين أفعال المساهمة التي تصدر عن كل مساهم في الجريمة من ناحية، والفروق بين المساهمين من حيث الخطيئة الشخصية وخطورة الشخصية من ناحية أخرى.

كما أوصى المؤتمر بأنه يعتبر “فاعلًا Auteur” من يحقق بسلوكه العناصر المادية والشخصية المكونة للجريمة.
وإذا كانت الجريمة “جريمة امتناع”، اعتبر فاعلًا من يحمله القانون التزامًا بإتيان الفعل.
كما يعتبرون “فاعلين Co-auteurs” من يرتكبون سويا الأعمال التنفيذية للجريمة بقصد مشترك متجه إلى ارتكابها.
ويعتبر “فاعلًا غير مباشر Auteur mediat” من يدفع إلى ارتكاب الجريمة منفذًا لا يجوز تقرير مسؤوليته عنها.

ويعتبر “محرضًا Instigateur” من يحمل عمدًا شخصًا على ارتكاب جريمة.

ولا يجوز توقيع عقاب على المحرض إلا إذا بدأ الشخص الذي اتجه التحريض إليه في تنفيذ جريمته، ومع ذلك فإنه يجوز توقيع الجزاء على المحرض إذا كان التحريض غير متبوع بأثر على أن يحدد هذا الجزاء وفقًا للشروط التي يحددها القانون وفي ضوء الخطورة الإجرامية للمحرض.

التحريض في قانون العقوبات الأردني

وبالرجوع إلى نصوص قانون العقوبات الأردني، نجد أن المادة /80/أ منه تنص على أنه يعد محرضًا من حمل أو حاول أن يحمل شخصًا على ارتكاب جريمة بإعطائه نقودًا أو بتقديم هدية له أو بالتأثير عليه بالتهديد أو بالحيلة والخديعة أو بصرف النقود أو بإساءة الاستعمال في حكم الوظيفة.

كما أن الفقرة /ب من المادة نفسها تنص على أن تبعة المحرض مستقلة عن تبعة المحرض على ارتكاب الجريمة.

ويتبين من قراءة هذا النص أن المشرع الأردني يعاقب على التحريض ولو لم يترتب عليه أثر، وذلك على اعتبار أن التحريض جريمة مستقلة. وهذا يعني أن التحريض على ارتكاب الجريمة “جناية أو جنحة” هو في حد ذاته جريمة سواء قبل الشخص الذي وجه إليه هذا التحريض أن يقوم بما طلب منه أو رفضه.

وتأكيدًا لذلك، فإن المادة /81/3 من قانون العقوبات تنص على أنه إذا لم يفضِ التحريض على ارتكاب جناية أو جنحة إلى نتيجة، خفضت العقوبة المبينة في الفقرتين السابقتين من هذه المادة إلى ثلثها.

وعليه، فإن المشرع الأردني يجعل من التحريض غير المتبوع بأثر جريمة مستقلة عقوبتها أخف نسبيًا من عقوبة الجريمة المحرض عليها، بل وأخف من عقوبة التحريض فيما لو استجاب المحرض وارتكب الجريمة التي طلب إليه تنفيذها.

أهلية المحرض و نظرية الفاعل المعنوي

ولأن التحريض على ارتكاب الجريمة هو عبارة عن خلق فكرتها في ذهن المحرض، وتوجيه إرادته إلى ارتكابها، ودفعه إلى ذلك بوسائل التأثير التي نص عليها القانون في المادة /80/أ، فينبغي أن يكون الشخص الذي وجه إليه التحريض أهلًا لتحمل المسؤولية الجنائية سيئ النية حتى يعد فاعلًا أصليًا للجريمة التي جرى تحريضه على ارتكابها.

أما إذا كان هذا الشخص عديم المسؤولية لانعدام الإدراك أو التمييز كالصغير والمجنون، أو كان حسن النية لعدم توافر القصد الجرمي لديه، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إفلات المحرض من العقاب.

ولا شك أن هذه النتيجة غير منطقية، وهي بذلك غير مقبولة. وكان لا بد من وضع حل لعلاج مثل هذا الموقف، فظهرت نظرية الفاعل المعنوي التي تتوسع في مفهوم فاعل الجريمة، وتعتبر كل من سخّر شخصًا غير مسؤول جنائيًا فاعلًا أصليًا للجريمة. وقد أخذ بهذا الحل كل من الفقه والقضاء في ألمانيا.

إلا أن هذا الاتجاه لم يصادف قبولًا لدى الفقه والقضاء في فرنسا، حيث ينادي هؤلاء بالإبقاء على فكرة أن التحريض هو نشاط ثانوي وتابع لنشاط الفاعل الأصلي مع العدول عن مبدأ التبعية المطلقة للشريك، وجعل هذه التبعية مقيدة فلا يشترط سوى أن يكون الفعل المحرض على ارتكابه غير مشروع، بغض النظر عن مدى مسؤولية الفاعل عنه، بحيث يمكن معاقبة من حرض شخصًا غير مسؤول أو حسن النية.

الفاعل المعنوي في التشريعات المختلفة

وقد أثار موضوع الفاعل المعنوي للجريمة الكثير من الجدل والنقاش الفقهي، فمن مؤيد لفكرة الفاعل المعنوي ومن معارض لها. كما أن التشريعات العقابية قد تباينت في مواقفها حيال هذا الموضوع، فهناك من التشريعات من ينص صراحة على الأخذ بهذه الفكرة، وهناك من لم يأتِ على ذكر الفاعل المعنوي، وكأنما ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته فيه وفقًا للظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة.

ولم ينص المشرع الأردني صراحة على الفاعل المعنوي للجريمة، وإنما اقتصر على ذكر أن فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها (المادة /75 من قانون العقوبات)، مما يعطي لهذا الموضوع أهمية خاصة، لتوضيح معنى الفاعل المعنوي وبيان حكمه في القانون الأردني والمقارن مع عرض لموقف الفقه العربي والأجنبي من هذه الفئة من الجناة.

مفهوم فكرة الفاعل المعنوي للجريمة

التعريف بالفاعل المعنوي للجريمة

الفاعل المعنوي للجريمة هو كل من دفع بأية وسيلة شخصًا آخر على تنفيذ الفعل المكون للجريمة، إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائيًا عنها لأي سبب من الأسباب.
وعليه، فإن الفاعل المعنوي للجريمة هو كل من يسخّر غيره في تنفيذها ويكون هذا الغير مجرد أداة في يده لكون المنفذ للجريمة حسن النية أو لكونه غير أهل لتحمل المسؤولية الجزائية، كالمجنون والصبي غير المميز.

والفاعل المعنوي لا يرتكب الجريمة بيديه، أي أنه لا ينفذ بنفسه العمل المادي المكون لهذه الجريمة، ولكنه يدفع بشخص آخر حسن النية أو غير ذي أهلية جزائية إلى ارتكاب الجريمة وتحقيق العناصر المكونة لها.
ومن الأمثلة على ذلك، من يقوم بتسليم حقيبة ملابس أخفى بينها كمية من المواد المخدرة إلى شخص آخر حسن النية، لكي يقوم هذا الأخير بتوصيلها إلى شخص ثالث في مدينة أخرى.
وكذلك من يسلم شخصًا طعامًا أو شرابًا مسمومًا ويطلب منه أن يقدمه للمجني عليه فيفعل ذلك وهو يجهل وجود المادة السامة في الطعام أو الشراب، فتقع جريمة التسميم.

بين الضيق والاتساع

ويلاحظ أن نظرية الفاعل المعنوي للجريمة تقتصر على الحالة التي يكون فيها منفذ الجريمة حسن النية أو غير ذي أهلية جزائية، ويرى بعض الفقه أن هذا التعريف ضيق، ومن شأن ذلك أن يصيب النظرية بالقصور.
ولتجنب ذلك، فإن أصحاب هذا الاتجاه يضعون تعريفًا واسعًا للفاعل المعنوي، بحيث يعتبر فاعلًا معنويًا للجريمة من حرض آخر على ارتكاب الجريمة إذا كان تحريضه قد بلغ في تأثيره إلى حد خلق فكرة الجريمة في ذهن المنفذ المادي
بحيث أنه لولا هذا التحريض ما أقدم على ارتكابها، بغض النظر عن كونه حسن النية أو سيئ النية، وبغض النظر أيضًا عن كون المنفذ المادي للجريمة غير ذي أهلية جزائية أو متمتعًا بها.
بل إن المحرض لشخص حسن النية أو لغير ذي أهلية جزائية يعتبر فاعلًا ماديًا للجريمة وليس فاعلًا معنويًا لها طالما أن من نفذها كان مجرد أداة في يده

لأن المشرع لا يفرق بين الأدوات التي تستخدم في ارتكاب الجريمة، فيستوي مثلًا أن يتم ارتكاب جريمة القتل باستخدام مادة سامة أو بتسخير شخص مجنون لإطلاق النار على المجني عليه، أو خنقه بيدي الفاعل
ففي كل هذه الفروض يكون الفاعل فاعلًا حقيقيًا وليس فاعلًا معنويًا، والمنفذ ليس سوى أداة في يده.
ولا شك أن ما ذهب إليه أصحاب فكرة التعريف الموسع للفاعل المعنوي للجريمة فيه مبالغة كبيرة لأنها تشمل صورًا هي أبعد ما تكون عن فكرة الفاعل المعنوي.
كما أن مثل هذا التعريف الموسع يلغي التفرقة بين الفاعل المعنوي للجريمة والمحرض على ارتكابها.
ونحن نميل إلى الأخذ بما يذهب إليه أغلب الفقه من أن الفاعل المعنوي هو الذي ينفذ الجريمة بواسطة غيره الذي لم يكن سوى آلة في يده قد حركها للوصول إلى مأربه.

الفاعل المعنوي: بين استغلال الضعف وتحريض المجني عليه

فالفاعل المعنوي يستغل حسن النية لدى منفذ الفعل المادي للجريمة أو يستغل عدم إدراكه للأمور، كأن يكون عديم الأهلية لصغر سنه أو لعلة في عقله، إذ ليس من المتصور تحريض مثل هؤلاء الأشخاص على ارتكاب الجريمة.
لذا فإن من يدفع أحدهم على تنفيذ الركن المادي للجريمة يكون فاعلًا معنويًا لها.

وتطبيقًا لذلك، فقد ذهبت محكمة النقض المصرية في حكم لها إلى أنه إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أن فتاة صغيرة لها ثماني سنوات من العمر عثرت على محفظة نقود، فأخذها المتهم منها مقابل قرش واحد، فإن ذلك منه لا يعتبر إخفاء لشيء مسروق، بل يعد سرقة، إذ أن المتهم يعتبر أنه هو الذي عثر على المحفظة وحبسها بنية تملكها، والفتاة البريئة لم تكن إلا مجرد أداة في يده.

وقد يحدث أن يكون المنفذ المادي للجريمة هو المجني عليه نفسه، فالشخص الذي يغري طفلًا على القيام بلمس سلك يسري فيه تيار كهربائي ذو ضغط عال وهو عالم بذلك
ويقصد قتل هذا الطفل، فيقوم هذا الأخير بلمس السلك ما يؤدي إلى أن يصعقه التيار، فإن هذا الشخص يعتبر فاعلًا معنويًا لجريمة القتل المقصود في نظر جانب من الفقه
بينما يرى جانب آخر من الفقه أن من حرض المجني عليه على الإمساك بالسلك الكهربائي ذي الضغط العالي ليس فاعلًا معنويًا لجريمة القتل، وإنما هو فاعل مادي لهذه الجريمة، وفقًا لمعيار السببية
بالإضافة إلى صفة الاتجاه المباشر نحو تحقيق النتيجة غير المشروعة.

ونحن نميل للأخذ بهذا الرأي واعتبار مثل هذا الشخص فاعلًا ماديًا للجريمة لا فاعلًا معنويًا لها، وذلك لقيامه بأفعال مقصودة أدت إلى نتيجة سعى إليها الفاعل وهي إزهاق روح المجني عليه.

اتمييز الفاعل المعنوي للجريمة عن غيره من الفاعلين والشركاء

من خلال تعريفنا للفاعل المعنوي الذي ينفذ الجريمة بواسطة غيره حين يدفع شخصًا لا يمكن مساءلته جزائيًا نحو ارتكابها
نجد أن مثل هذا الفاعل المعنوي يتميز عن الفاعل المادي للجريمة، وعن الفاعل مع غيره، وعن المحرض على ارتكابها.

فالفاعل المادي للجريمة هو من يرتكب الجريمة وحده، أي أنه يأخذ على عاتقه القيام بتنفيذ مشروعه الإجرامي من خلال سلوك إرادي من جانبه، فيترتب على هذا السلوك نتيجة جرمية هي تلك التي أراد تحقيقها فاعل الجريمة، كما هو الحال حين يطعن الجاني غريمه بخنجر في صدره فيرديه قتيلًا.

والسارق الذي يستولي على مال الغير المنقول، فيخرجه من حوزته خلسة، فينشئ لنفسه أو لغيره حيازة جديدة على هذا المال بقصد تملكه.

أما الفاعل المعنوي، فإنه لا يحقق من الجريمة سوى ركنها المعنوي
بينما يقوم شخص آخر بتنفيذ الركن المادي فقط، أي أنه ليس لهذا الأخير سوى الدور المادي الذي نفذ من خلاله الجريمة دون أن يتوافر في حقه الركن المعنوي، لجهله بصفة عدم المشروعية التي تتصف بها الأفعال التي اقترفها، فهو لا يسأل عن هذه الأفعال ويلاحق الفاعل وحده كفاعل للجريمة.

وإذا كان الركن المادي للجريمة يتكون من عدة أفعال، فإن كل مرتكب لواحد من هذه الأفعال يعد منفذًا ماديًا للجريمة
ويسأل عن هذه الجريمة تمامًا كما لو ارتكبها وحده طالما كان هناك اتفاق مسبق بين الشركاء على تحقيق النتيجة الجرمية، فوزعوا الأدوار فيما بينهم لإبراز النتيجة الجرمية (التي أرادوها جميعًا) إلى حيز الوجود.

أما إذا اقتصر دور هؤلاء الفاعلين على إتيان الركن المادي ولم يكن لدى أي منهم أي قصد جرمي لكونهم غير مسؤولين جزائيًا لصغر السن أو لجنون أو بسبب كونهم حسني النية
فإن الفاعل المعنوي الذي سخّر هؤلاء واستخدمهم كأداة في يده لتنفيذ الجريمة هو الذي يسأل عنها كفاعل لها.

التمييز بين الفاعل المعنوي وغيره من صور الاشتراك الجنائي.

وفي الصورة التي تقع فيها الجريمة بعدة أفعال من أشخاص متعددين، فإن من يرتكب منهم أحد هذه الأفعال يعد فاعلًا للجريمة، كما لو اتفق شخصان على تزوير إيصال، فعمد أحدهما إلى كتابة العبارة الواردة في صلبه، وقام الآخر بتقليد الإمضاء الذي وقع به عليه، فكل منهما فاعل أصلي لجريمة التزوير.

ويلاحظ من هذا المثال أن هناك فارقًا واضحًا بين الفاعل المعنوي والفاعل مع غيره.
فالفاعل المعنوي كما أشرنا آنفًا يستعين بشخص يسخره كأداة لتنفيذ جريمته، أما الفاعل مع غيره، فإنه يتعاون مع شخص له إرادته وله أهليته ومسؤوليته الجزائية.

وكل فاعل للجريمة مع غيره هو ند لشريكه الفاعل الآخر، وهما صنوان في قيام كل منهما بجزء من الركن المادي، وفي تحمل المسؤولية أيضًا. أما منفذ الجريمة حسن النية أو عديم الأهلية، فمركزه دون مركز فاعلها المعنوي.

الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة: تمييز أم تشابه؟

ويميز بعض الفقه بين الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة، ويرى أنه وإن كان هناك تشابه بينهما في أن كلاًّ منهما يستخدم غيره في ارتكاب الجريمة، إلا أن بينهما فروقًا جوهرية

هي أن الأفعال التي يقوم بها الفاعل المعنوي تنحصر في التحريض، بينما هي تتسع بالنسبة للفاعل بالواسطة لكل صور الاشتراك الجرمي من اتفاق وتدخل وتحريض
هذا بالإضافة إلى أن من يقع عليه التحريض لا بد وأن يكون شخصًا حسن النية أو غير أهل لتحمل المسؤولية الجزائية، وذلك على خلاف الفاعل بالواسطة الذي يدفع شخصًا بالغًا رشيدًا لتنفيذ جريمته.
ويقر أصحاب فكرة التمييز بين الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة أنه كثيرًا ما يحصل خلط بينهما، على الرغم من أوجه الاختلاف بينهما.

ونحن لا نرى فروقًا واضحة بين الفاعل المعنوي والفاعل بالواسطة.
بل إن بعض الفقه قد أطلق تسمية الفاعل بالواسطة على الفاعل المعنوي للجريمة

ويرى هذا الرأي بحق أن الفاعل بالواسطة هو من سخّر شخصًا غير مسؤول جنائيًا لتنفيذ الجريمة
وتفرض الجريمة في هذه الحالة وجود فاعلين، أحدهما فاعل مادي قام بتنفيذ الجريمة دون أن تتوافر لديه المسؤولية الجزائية، وثانيهما فاعل معنوي قام بتسخير الأول نحو القيام بهذا التنفيذ واستعمله كأداة لتحقيق هذا الغرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock