أوامر قاضي التحقيق – الأوامر الصادرة أثناء سير التحقيق
الفرع الأول: الأوامر التي يقوم بها قاضي التحقيق لجمع الأدلة بنفسه
أولا: المعاينة
المعاينة هي إجراء بمقتضاه ينتقل المحقق إلى مكان وقوع الجريمة ليشاهد بنفسه ويجمع الآثار المتعلقة بالجريمة وكيفية وقوعها و كذلك جمع الأشياء الأخرى التي تفيد في الكشف عن الحقيقة وقد أوجب المشرع الجزائري حينما يباشر التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق
أن انتقاله إلى إجراء المعاينة يتوقف على تقريره لمدى ضرورتها في الكشف عن الحقيقة والمعاينة هي الدليل مباشر أو عام باعتبار أن المحقق يلمس بنفسه العناصر المادية التي تفيد في الكشف عن الحقيقة ويجب على المحقق عند إجراء المعاينة إثبات حالة المكان ووصفه وبيان مدى مكان وقوع الجريمة بالشكل الذي ورد على لسان المجني عليه والشهود وكذلك إثبات حالة الأشخاص والأشياء الموجودة بمكان الجريمة ورفع الآثار المتعلقة بها كالبصمات والدماء ويجب الإسراع في الانتقال للمعاينة حتى لا يتطرق الشك إلى الدليل المستفاد منها، ذلك وإذا ما انقضت فترة بين وقوع الجريمة وإجراء معاينة تسمح بأن يتمكن الجاني من إزالة العناصر المادية التي تفيد في كشف الحقيقة.
ثانيا: التفتيش
التفتيش هو بحث يهدف إلى الكشف عن أدلة مادية ينفذ هذا البحث في مكان مسكون أو غير مسكون وهذا ما نصت عليه المادة81 من قانون الإجراءات الجزائية حيث جاء فيها:” يباشر التفتيش في جميع الأماكن التي يمكن العثور فيها على أشياء يكون كشفها مفيد لإظهار الحقيقة”([1]).
ويقصد بالأماكن هنا المساكن وليس الأماكن الأخرى ذلك لأن تفتيش المساكن هو الذي يثير إشكاليات وهنا قاضي التحقيق هو الذي يحدد متى يتم التفتيش وظروفه ومكانه نظرا لما يتمتع به من سلطة تقديرية
والمقصود بالمساكن المحلات المعدة للسكن سواء كانت مسكونة بالفعل أم لا فالمنازل والأكواخ والسفن تعتبر مساكن وكذلك الحجرة في فندق المستأجرة للإقامة، ومفهوم المنزل هنا يخص الأشخاص الطبيعية والمعنوية معا([2]).
ثالثا: الحجز
يتمثل الحجز في ضبط الأشياء والوثائق التي تعتبر مفيدة في الكشف عن الحقيقة الجريمة المرتكبة وهذه الأشياء والوثائق إما تكون لدى المتهم أو لدى الغير كما أن تكون قد استعملت في الجريمة أو خصصت لارتكابها أو تبحث عنها.
وعملية الحجز التي يقوم بها قاضي التحقيق تستوجب منه إتباع إجراءات معينة:
1- أن يطلع بنفسه على الوثائق وضبطها قبل إجراء عملية الحجز .
2- يجب على قاضي التحقيق أن يقوم بكل الإجراءات اللازمة من أجل احترام كتمان سر المهنة وحقوق الدفاع.
3- يجب على قاضي التحقيق أن يقوم بإحصاء الأشياء والوثائق التي تم حجزها ووضعها في أحراز مفتوحة مختومة وإذا كانت المضبوطات تمثل نقودا أو أوراقا تجارية ذات قيمة مالية وكانت ضرورية للتحقيق، كأن تكون هذه النقود متحصلة من رشوة أو كانت نقود مزيفة فإنه في هذه الحالة يتم حفضها لدى قاضي التحقيق حتى يتم الفصل في القضية أما إذا كانت لا تفيد التحقيق في شيء فإنه يتم إيداعها الخزينة العامة بناء على ترخيص من قاضي التحقيق.
4- كما انه على قاضي التحقيق دعوة كل من المتهم ومحاميه من اجل حضور فتح الأحراز المختومة وذلك عن طريق استدعاء قانوني كما له أن يستدعي كل شخص تم ضبط الأشياء لديه.
* وعند انتهاء التحقيق فإن قاضي التحقيق يتصرف في تلك الأشياء المضبوطة وفقا لحالتين:
الأولى: في حالة إصدار قاضي التحقيق أمرا بإحالة القضية إلى إحدى المحاكم المختصة وهنا تصبح الأخيرة هي مختصة بالتصرف في المضبوطات .
الثانية: في حالة إصدار قاضي التحقيق أمرا بأن لاوجه للمتابعة دون أن يبت في طلب رد الأشياء المضبوطة فإنه يرجع لوكيل الجمهورية سلطة البت طبقا لنص المادة 87 من ق إ ج التي تنص:” إذا أصدر قاضي التحقيق قرارا بألا وجه للمتابعة ولم يبث في طلب رد الأشياء المضبوطة فإن سلطة البت في ذلك تكون لوكيل الجمهورية “([3]).
رابعا: سماع الشهود
الشهادة هي الدليل الغالب في المواد الجزائية حيث تنصب على وقائع مادية تحدث فجأة ولا يتيسر عادة إثباتها بالكتابة وهي رواية شخص لما شاهده أو سمعه أو أدركه بحاسة من حواسه وتكون من إجراءات التحقيق متى تمت بالشكل القانوني أمام قاضي التحقيق ([4]) حيث يتم سماع أي شخص كشاهد، إذا كانت شهادته تخدم مصلحة التحقيق وكذا عند مواجهته بشهود آخرين أو بالمتهم.
وللشهادة أهمية في الكشف عن الحقيقة وذلك نتيجة للدور الذي تلعبه في إثبات براءة المتهم أو إدانته وفي الكشف عن الأدلة بها قبل إخفاء معالم الجريمة.
خامسا: الاستجواب والمواجهة
استجواب المتهم إجراء من إجراءات التحقيق يستعان به على كشف الحقيقة سواء بظهور براءة المتهم أو إدانته فهو طريق للدفاع كما هو للبحث والاستكشاف.
فهو طريق للدفاع لانه يسمح للمتهم بأن يوضح حقيقة الواقعة المسندة إليه([5])، واستجواب المتهم غير سؤاله، لأنه يتطلب فضلا عن توجيه التهمة إليه مجابهته بالأدلة المختلفة القائمة قبله ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية كما ينفيها إن كان منكرا للتهمة أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف .
الفرع الثاني :الإجراءات التي يقوم بها قاضي التحقيق بواسطة مساعديه
أولا: الخبرة
كثيرا ما تعرض أثناء مباشرة التحقيق أمور تتطلب الاستعانة برأي أهل الخبرة لذلك كان من الطبيعي أن تجيز التشريعات لقاضي التحقيق ندب خبير في الدعوى للاستفادة بمعلوماته الفنية كالأطباء الشرعيين والمتخصصين في علم المخطوطات أو الأسلحة وغيرهم فالقانون يجيز للمحقق عندما تعرض عليه مسألة ذات طابع فني أن يأمر بندب خبير إما بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو المدعي المدني أو من تلقاء نفسه.([6])
فالخبرة هي عبارة عن استشارة فنية يستعين بها قاضي التحقيق لتقدير المسائل التي يحتاج التحقيق فيها إلى معرفة فنية أو دراية علمية غير متوفرة في القاضي ولا تدخل في تكوينه.
ثانيا: الإنابة القضائية
القاعدة العامة هي أن إجراءات التحقيق يقوم بها قاضي التحقيق بنفسه بعد اتصاله بالدعوى قانونا إلا أنه استنادا إلى الملائمة الإجرائية التي تبررها اعتبارات زمانية أو مكانية أو لاعتبارات أخرى كالكفاءة مثلا، وقد أجاز القانون لقاضي التحقيق الحق في تفويض جزء من اختصاصه بجهات معينة تباشرها نيابة عنه وتحت إشرافه بأمر منه يسمى<< أمر الإنابة القضائية >>.
وتعرف الإنابة القضائية بأنها التكليف بمهمة تصدره سلطة مختصة بالتحقيق إلى السلطة أخرى لتنفيذ جزء من إجراءات التحقيق، حيث حددت المادة 138 من ق إ ج للأشخاص الجائز إنابتهم، فيحق لقاضي التحقيق إنابة أي قاضي من قضاة محكمة أو أي ضابط من ضباط الشرطة القضائية المختص بالعمل في دائرتها أو أي قاضي من قضاة التحقيق مهما كانت دائرة اختصاصهم([7]).
الفرع الثالث: الأوامر الصادرة في مواجهة المتهم.
يتخذ قاضي التحقيق مجموعة من الأوامر المنصوص عليها في المادة 109 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على:” يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمرا بإحضار المتهم أو بإيداعه السجن أو بإلقاء القبض عليه، ويتعين أن يذكر في كل أمر نوع التهمة ومواد القانون المطبقة مع إيضاح هوية المتهم.
ويؤرخ الأمر ويوقع عليه من القاضي الذي أصدره ويمهره بختمه، وتكون تلك الأوامر نافذة المفعول في جميع أنحاء الأراضي الجزائرية ويجب أن يؤشر على الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق من وكيل الجمهورية وان يرسل بمعرفته”
وهذه الأوامر الثلاثة السابقة تتمثل في أوامر القضاء وليست قرارات قضائية فهي غير قابلة لأي إلى قاضي التحقيق ليتخذ فيما بعد إجراء من إجراءات التحقيق الأخرى بإيداع المتهم الحبس أو بإخلاء سبيله، وتتمثل هذه الأوامر في الأمر بالإحضار الأمر بالقبض- الأمر بالإيداع.
أولا: الأمر بالإحضار
عرفته المادة 110 من قانون الإجراءات الجزائية فيصدره قاضي التحقيق ضد كل من يخالف مقاومته أو فراره وضد الشهود الذين يمتنعون عن الحضور طبقا للمادة 97/2 من ق إ ج أما لو كان المتهم محبوسا لسبب آخر فيبلغ الأمر بمعرفة المشرف الذي يسلمهم نسخة منه حسب المادة 111من ق إ ج .
ثانيا: الأمر بالقبض
وهو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى القوة العمومية للبحث عن المتهم واقتياده إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجزي تسليمه وحبسه طبقا للمادة 119/1 من ق إ ج.
أولا: شروطه.
وهي ما حددته المادة 119/2 من ق إ ج وتتمثل في شرطين موضوعيين وثالث شكلي وهي:
1- أن يكون المتهم هاربا أو مقيما خارج إقليم الدولة أي كون الشخص في محل هروب من المتابعة.
2- أن يكون الفعل الإجرامي المتهم بارتكابه معاقبا عليه بعقوبة جنحة بالحبس أو بعقوبة أشد جسامة.
3- استطلاع رأي وكيل الجمهورية ([8]).
ثانيا: تنفيذ أمر القبض:
يبلغ هذا الأمر بواسطة أحد ضباط الشرطة القضائية أو أعوان الضبط القضائي مع إيداعه بجميع الوسائل في حالة الاستعجال حسب المادة 111 من ق إ ج .
ثالثا: الأمر بالإيداع
هو الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق إلى رئيس مؤسسة عقابية باستلام وحبس المتهم حسب المادة 117/1 من ق إ ج دون حاجة إلى تسبب أمره ودون مناقشة سابقة وهو إجراء لا حق على سماع أقوال المتهم والتحقق من هويته، ويقوم العون المنفذ – عون من أعوان الشرطة العمومي – بتسليم المتهم إلى رئيس المؤسسة العقابية الذي يستلم بدوره إقرار باستلام المتهم ويصبح بذلك رهن الحبس المؤقت وضمن قائمة المحبوسين بالمؤسسة([9]).
وشروط الأمر بالإبداع هي:
1- لا يكون إيداعه دون استجوابه
2- أن تكون الجريمة معاقبا عليها بعقوبة جنحة بالحبس أو أي عقوبة أخرى أكثر جسامة([10]).
الفرع الرابع: الأوامر الصادرة في الحبس المؤقت
الحبس المؤقت إجراء يقيد حرية المتهم قبل محاكمته فهو إجراء شاد أو كما عرفه المشرع الجزائري بأنه إجراء استثنائي ([11]).
ويقوم الحبس المؤقت على حبس المتهم لمدة قد تتجاوز مدة التحقيق، أي يكون خلال الفترة الممتدة بين بداية التحقيق الابتدائي والحكم النهائي في الدعوى العمومية، حيث يصدر أمر الحبس المؤقت من قاضي التحقيق ولا يجوز إصدار أمر بالحبس المؤقت إلا إذا كانت فيه فائدة تخدم التحقيق مثلا لمنع المتهم من التأثير على أدلة الجريمة كإخفاء معالمها أو في سبيل دواعي أمنية حماية المتهم ومواجهته متى شاء، كذلك ضمانا لتنفيذ الحكم دون فرار المتهم، وأخيرا فإنه يسهل إجراء فحوص لشخصية المتهم في إطار سياسة الدفاع الاجتماعي([12]).
ويقتصر الحبس المؤقت على الجنايات والجنح المعاقب عليها دون المخالفات حتى ولو كانت معاقبا عليها بالحبس.
أولا: شروط الحبس المؤقت.
إن لصحة حبس المتهم حبسا مؤقتا لا بد من توفر شروط موضوعية وأخرى شكلية يمكن توضيحها كالتالي:
– الشروط الموضوعية
1-ضرورة استجواب المتهم
2-أن يصدر في الجريمة مما يجوز إصداره فيها
3- أن يستند إلى مبررات صحيحة
– الشروط الشكلية
إن الأمر بالحبس المؤقت يصدره قاضي التحقيق بناء على مذكرة إيداع بحيث يؤسس الأمر بالحبس المؤقت على المبررات والأسباب التي جاء ذكرها آنفا.
ويبلغ هذا الأمر إلى المتهم شفاهة من قبل قاضي التحقيق وبخطره بان له ثلاثة أيام من تاريخ التبليغ لاستئناف هذا الأمر مع الإشارة إلى هذا التبليغ في المحضر.([13])
ثانيا: مدة الحبس المؤقت
إن الطبيعة الاستثنائية للحبس المؤقت تقتضي أن يكون لمدة محددة قانونا حيث تنتهي هذه المدة بانتهاء مبررات الحبس المؤقت .
– بالنسبة للجنح
إن مدة الحبس المؤقت في مواد الجنح تقدر بأربعة أشهر، إلا أنها يمكن أن تزيد على هذه المدة أو تقل بحسب جسامة الجريمة فيمكن أن تكون 20 يوما في جرائم معينة ،كما يمكن أن تصل إلى 8 أشهر في جرائم أخرى .
– بالنسبة للجنايات
المبدأ: أن مدة الحبس المؤقت في المواد الجنايات تقدر ب 4 أشهر .
الاستثناء: يمكن لقاضي التحقيق تمديدها مرتين لمدة 4أشهر لكل مرة أي تصل إلى 12 شهرا في حالة وجود ضرورة لذلك بأمر مسبب بعد أن يستطلع رأي وكيل الجمهورية الذي يكون الآخر مسببا.([14]).
– تجديد الحبس المؤقت
في حالة ما إذا قررت غرفة الاتهام مواصلة التحقيق وعينت من أجل ذلك قاضي التحقيق فإن هذا الأخير يكون مختصا بتجديد الحبس ضمن الحدود القصوى المبينة في المادة 125 مكرر من ق إ ج ([15]).
الفرع الخامس: الأوامر ذات الصلة بالرقابة القضائية
تم استحداث هذا القرار بموجب القانون المعدل لقانون الإجراءات الجزائية الصادر بتاريخ 04/03/1986 لكنه لم يعرف التطبيق إلا بتعديل سنة 1990 بمقتضى القانون الصادر في 18/08/1990 الذي أدخل تعديلات على المادة 125 من قانون العقوبات الجزائري والهدف من هذا الأمر عدم الإفراط في الحبس المؤقت.
وجاء النص عليه في المادة 125 مكرر 1 من ق إ ج فيجوز لقاضي التحقيق تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو بطلب من المتهم المحبوس أو محاميه أن يأمر بالرقابة القضائية إذا كانت العقوبة للأفعال المنسوبة إليه بالحبس أو عقوبة أشد([16]).
[1] -أنظر المادة 81 من ق إ ج السابق ذكره.
[2] -أنظر جيلا لي بغدادي: (التحقيق دراسة مقارنة ونظرية وتطبيقية )– ص 151-الطبعة الأولى-الديوان الوطني للأشغال التربوية،سنة 1998.
[3] -أنظر المادة 87 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر في 8/جوان /1966.
[4] -أنظر أحمد شوقي الشلقاني-مبادئ الإجراءات الجزائية الجزائري- ص 247- ديوان المطبوعات الجامعية—سنة1999.
[5] -أنظر الدكتور مأمون محمد سلامة –المرجع السابق-ص 388-391.
[6] -أنظر جيلا لي بغدادي-المرجع السابق-ص 153.
[7] -أنظر المادة 138 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر سنة 1966.
[8] – أنظر سليمان بارش- المرجع السابق ص 209.
[9] -أنظر معراج حديدي- الوجيز في الإجراءات الجزائية – دليل عملي – ص 45 ديوان المطبوعات الجامعية-2000 .
[10] – أنظر سليمان بارش- المرجع السابق- ص 211.
[11] -أنظر بوكحيل لخضر- الحبس الاحتياطي والمراقبة القضائية في التشريع الجزائري والقانون ، ص 3- ديوان المطبوعات الجامعية 1992
3- أنظر سليمان بارش –المرجع السابق- ص 214.
[12] – أنظر سليمان بارش –المرجع السابق- ص 214.
[13] -أنظر المادة 123 من نفس القانون.
[14] -أنظر المادة 125 من قانون رقم 01-08 السابق ذكره.
[15] -أنظر المادة 125 من نفس القانون.
[16] -انظر المادة 125 مكرر واحد من قانون الإجراءات الجزائية